أكاديمية المملكة المغربية تدعو لدمج الأخلاق والعلوم الإنسانية في الطب لمواجهة تحديات العصر

شهد الملتقى المغربي الفرنسي للصحة، الذي نظمته أكاديمية المملكة المغربية بالتعاون مع أكاديميات فرنسية ومؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة، دعوات متزايدة لدمج العلوم الإنسانية والأخلاق في الممارسة الطبية. ركز الملتقى على ضرورة تطوير رؤية شاملة لمواجهة التحديات الجديدة، خاصة تلك المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وتأثيراته المحتملة على العدالة الصحية.

نبّه جون سيبيليا، عميد كلية الطب بجامعة ستراسبورغ الفرنسية، إلى أن بعض استخدامات الذكاء الاصطناعي قد تفاقم غياب العدالة في مجال الصحة. دعا سيبيليا إلى تبني مفاهيم تعبر عن “أخلاقيات مُقاوِمة”، مشدداً على الحاجة لرؤية أخلاقية شاملة تنعكس ضمن مبادئ البحث العلمي الطبي. كما أكد على أهمية الصرامة الأخلاقية في التعامل مع الأبحاث التي تجرى على الحيوانات.

توسع الأكاديمي الفرنسي في محاضرته حول “الأخلاقيات والبحث في طب الأحياء”، مقدماً مفهوم “الأخلاقيات المُحدثة”. يرتكز هذا المفهوم على بدء التفكير الأخلاقي منذ اللحظة الأولى لتصور المشروع، ومرافقته لجميع المراحل حتى تطبيقه العملي. وصف سيبيليا هذا المفهوم بالمثير للاهتمام نظراً لمقارباته التشاركية والداعمة لمنطق العمل الجماعي، مؤكداً أن الأخلاق، كالبيئة، نظام شامل يهم الجميع.

تطرق سيبيليا أيضاً إلى “أخلاقيات المخاطر”، مشدداً على ضرورة تقييم المخاطر الكامنة في الأجهزة أو العلاج أو تلك المتعلقة بالمريض نفسه. وأشار إلى أن هذا التحدي يتطلب عملاً جاداً، مع الأخذ في الاعتبار استخدام شخصيات رقمية (avatars) للتعامل مع هذه المخاطر بدلاً من التجارب التقليدية العشوائية.

من جانبها، أكدت البروفيسورة نجية حجاج حسوني، عضو أكاديمية المملكة المغربية وعميدة كلية الصحة بالجامعة الدولية بالرباط، على الدور المحوري للعلوم الإنسانية في إضفاء بعد إنساني ونقدي على الممارسة الطبية. أوضحت أن دمج هذه العلوم يساعد على تطوير رعاية صحية أكثر ملاءمة وفعالية في مواجهة تحديات العصر، كما يساهم في فهم أعمق لتجربة المريض وتعزيز التعاطف والتفكير النقدي.

أبرزت حجاج حسوني أهمية العلوم الإنسانية في تحسين التواصل بين الطبيب والمريض، وتكييف الرعاية الصحية مع السياقات الثقافية المتنوعة، إضافة إلى الوقاية من الإرهاق المهني لدى الكوادر الصحية. أشارت إلى الطبيعة متعددة التخصصات لهذا المجال، الذي يشمل الفلسفة، علم الأخلاق، تاريخ الطب، علم الاجتماع، الأنثروبولوجيا، الأدب، الفنون، علم النفس، القانون والاقتصاد.

اقترحت البروفيسورة المغربية طرقاً مبتكرة لدمج هذه العلوم في التعليم الطبي، مثل برامج دراسية إلزامية ومزدوجة، وشهادات جامعية متخصصة، وشراكات متعددة التخصصات. كما نوهت إلى إمكانية اعتماد الطب السردي عبر ورش كتابة وتحليل قصص المرضى، والعلاج بالفنون من خلال دراسة الأعمال الفنية وزيارات المتاحف، إضافة إلى الأندية السينمائية بالمستشفيات لتحليل الأفلام والوثائقيات الطبية.

في السياق ذاته، عرض إيمانويل فلان روز، أستاذ علم الأعصاب في جامعة السوربون، لتجربة بودكاست “Le Serment d’Augusta”. يهدف هذا البودكاست إلى إعادة تصور علاقة الرعاية الصحية، مع مراعاة التساؤلات الراهنة حول دور المرضى ومكانة الصحة في المجتمع. ويركز على دمج المحددات البيولوجية والبيئية والنفسية والاجتماعية للصحة، بهدف تحسين جودة العدالة والإنصاف في الرعاية الصحية، مع إيلاء اهتمام خاص لتأثيرات الصور النمطية والتمييز في الرعاية الصحية وصعوبات الوصول للخدمات.

يجمع بودكاست “قسم أوغوستا” بين المعرفة التجريبية والطبية-العلمية ضمن إطار العلوم الإنسانية والاجتماعية، ويستهدف الجمهور العام ليكون أداة وممارسة ديمقراطية في الصحة. يتيح هذا البودكاست للممارسين والمرضى التعرف على بعضهم البعض والتعلم المشترك، غالباً خلال لقاءات وجلسات تفاعلية بين مختلف الأطراف المعنية بالصحة والمجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى