التأطير النظري والمعرفي لكتاب “الرمز والسلط”

محمد حستي: فنان تشكيلي كاتب

- الخلفية المعرفية:
يُعدّ كتاب «Langage et pouvoir symbolique» (اللغة والسلطة الرمزية)، الذي تُرجم إلى العربية تحت عنوان “الرمز والسلطة”، أحد النصوص الأساسية في مشروع بيير بورديو النظري، ويعكس تكامل أدواته التحليلية: السوسيولوجيا، الفلسفة، واللسانيات الاجتماعية. انطلاقًا من أدواته المفهومية مثل “العنف الرمزي” و “الهابيتوس”، الذي يكشف كيف يُعاد إنتاج التراتبيات الاجتماعية من خلال “الخطاب” الظاهري الحيادي.
- المرجع الأصلي:
Bourdieu, Pierre. Langage et pouvoir symbolique. Paris: Éditions du Seuil, 2001. - مشروع بورديو: من الميتافيزيقا إلى السياسي
يفتتح بورديو هذا الكتاب بفكرة مفصلية:
«السوسيولوجيا، كما أفهمها، هي فن تحويل الأسئلة الميتافيزيقية إلى أسئلة قابلة للمعالجة العلمية، وبالتالي إلى مشكلات سياسية.»
هذه العبارة تشكّل مفتاحًا لفهم فلسفة بورديو، حيث ينقل الأسئلة الكبرى عن الإنسان، والحرية، والسلطة من حيز التأمل النظري إلى مجال الصراع الاجتماعي والمؤسساتي.
- تحليل المفاهيم الأساسية في الكتاب
- الخطاب الشرعي (Discours légitime):
يشير بورديو إلى أن المؤسسات (الدولة، المدرسة، الدين) تحتكر “الخطاب الشرعي”، أي ذلك النوع من اللغة الذي يُمنح سلطة ومشروعية اجتماعية. فاللغة ليست فقط وسيلة للتواصل، بل هي شكل من أشكال الهيمنة الرمزية، تخضع لقواعد تُنتج السلطة وتعيد إنتاجها.
“اللغة لا تكون أبدًا بريئة. إنها تحمل دائمًا في طياتها علاقات قوى اجتماعية.”
انظر: Bourdieu, Langage et pouvoir symbolique, p. 62))
- العنف الرمزي (La violence symbolique):
العنف الرمزي، من أبرز مفاهيم بورديو، لا يمارس عن طريق الإكراه الفيزيائي، بل من خلال القبول اللاواعي بالتراتبية. اللغة في هذا السياق ليست مجرد أداة بل تُمارَس بها السلطة من دون أن تُدرك كسلطة. فالصمت، أو الحديث بلغة الآخر “الشرعية”، هو شكل من أشكال الخضوع الرمزي.
قارن: بورديو، بيير. الرمز والسلطة. ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي. دار توبقال للنشر، 1991، ص. 41.
- بُعد اللغة كأداة للضبط الاجتماعي
- تحويل اللغة إلى سلطة:
من منظور بورديو، ليس المهم فقط ما يُقال، بل من يقوله، وفي أي سياق، ومن يعترف به. أي أن اللغة مرتبطة بـ”السوق الرمزية”، حيث يمتلك بعض الفاعلين “رأسمالاً لغويًا” يُخوّلهم التأثير والهيمنة، بينما يُقصى آخرون.
“إن بنية المجال الاجتماعي تحدد من يملك سلطة القول ومن يجب عليه الصمت.”
راجع: Bourdieu, Ce que parler veut dire, Fayard, 1982, p. 85))
- القيمة العلمية للكتاب وسياقه ضمن فكر بورديو
يشكّل هذا العمل امتدادًا لمشروع بورديو العام في نقد البنى الاجتماعية للسلطة، وهو يُكمل أطروحاته حول المدرسة (La Reproduction، 1970)، والثقافة (La Distinction, 1979)، والسياسة (Sur l’État, 2012).
الكتاب لا يُقدِّم مقاربة لسانياتية بحتة، بل رؤية نقدية جذرية ترى في اللغة تجلّيًا لبنية اجتماعية غير متكافئة. ولذلك، يعد مرجعًا أساسيًا لكل من يشتغل في سوسيولوجيا اللغة، وسوسيولوجيا التربية، والأنثروبولوجيا السياسية.
- تطبيقات معاصرة للكتاب
يمكن إسقاط أطروحات بورديو على الواقع المغربي والعربي عمومًا، في ما يتعلق بـ:
سلطة اللغة الفرنسية مقابل العربية/الأمازيغية في التعليم والإدارة؛ مركزية “الفصحى” في مقابل “الدارجة”؛ السلطة الرمزية للمثقف في الفضاء العمومي، مقابل تهميش خطاب الفاعلين المحليين؛ هيمنة المركز الحضري في إنتاج المعنى والشرعية.
خاتمة
يمثل “الرمز والسلطة“ نموذجًا بارزًا في الاشتغال السوسيولوجي على اللغة، حيث تتحول اللغة من مجرد وسيلة تعبير إلى آلية ضبط وهيمنة خفية. لقد كشف بورديو بأسلوب علمي صارم عن الوجه الخفي للسلطة، الذي لا يظهر في أجهزة القمع فقط، بل يتجلى في الخطابات، في التصنيفات، وفي صمت من لا يملكون شرعية القول.
إذا أردت أن نوسّع هذا التحليل ليشمل مقارنة مع نظريات ميشال فوكو أو هابرماس أو أن نُدرج تطبيقات تربوية/إعلامية معاصرة، يسعدني متابعة ذلك معك.
- مراجع ومصادر بالفرنسية والعربية
- بالفرنسية:
- Bourdieu, Pierre. Langage et pouvoir symbolique. Paris: Seuil, 2001.
- Bourdieu, Pierre. Ce que parler veut dire. Paris: Fayard, 1982.
- Bourdieu, Pierre. Sur l’État. Cours au Collège de France (1989-1992). Paris: Seuil, 2012.
- Calvet, Louis-Jean. Sociolinguistique: Une introduction. Paris: PUF, 1993.
- بالعربية:
- بورديو، بيير. الرمز والسلطة. ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي. الدار البيضاء: دار توبقال، 1991.
- بورديو، بيير. إعادة الإنتاج: عناصر لنظرية في نظام التعليم. ترجمة: مصطفى محسن. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، 1992.
- مصطفى محسن. علم اجتماع التربية: الأنساق، الاتجاهات، النظريات. الدار البيضاء: إفريقيا الشرق، 2004.

