هل تحتاج فاس إلى مزيد من المساجد أم إلى نهوض اقتصادي يضمن كرامة ساكنتها؟

في خطوة أثارت نقاشًا واسعًا في الأوساط الفاسية، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب عن تخصيص 13 مليار سنتيم لبناء أكبر مسجد في مدينة فاس، العاصمة الروحية للمملكة. هذا القرار، وإن بدا منسجمًا مع رمزية فاس التاريخية والدينية، يطرح تساؤلات حول أولويات التنمية في المدينة، التي تعاني من اختلالات بنيوية اقتصادية واجتماعية، أبرزها ارتفاع نسب البطالة وتراجع الأنشطة الصناعية وسوق الشغل.

إن تخصيص ميزانية ضخمة لبناء مسجد جديد قد يُقرأ باعتباره اختيارًا رمزيا يسعى إلى تثبيت صورة فاس كقبلة للعلم والدين، لكنه في الآن ذاته يعكس فجوة بين الخطاب الروحي ومتطلبات الواقع، فالمواطن الفاسي اليوم لا يبحث فقط عن فضاء للعبادة، بل عن فرصة عمل تحفظ كرامته، وعن مشاريع تنموية تستثمر في الإنسان والمعرفة والإنتاج. إن بناء مصانع، شركات ناشئة، ومراكز بحث علمي هو ما تحتاجه فاس لتستعيد مكانتها كعاصمة فكرية واقتصادية، لا كمتحف ديني يتزين بالمآذن فقط، كما أن التنمية الروحية لا تنفصل عن العدالة الاجتماعية؛ فالمسجد، في جوهر رسالته، فضاء لتحرير الإنسان من القهر، ولتحقيق التكافل والعدالة. فكيف يتحقق هذا المعنى في مدينة تئن تحت وطأة البطالة، وهجرة العقول، وتراجع الاستثمار؟، فاس لا تحتاج إلى أكبر مسجد، بل إلى أكبر مشروع وطني يعيد إليها روحها الحية، ويجعل من الدين رافعة للنهضة، لا ذريعة لتزيين العجز عن التنمية.

يأتي هذا في سياق ما أعلنته مديرية المساجد التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن نتائج طلب العروض الخاص ببناء مسجد كبير بمدينة فاس، حيث رست الصفقة على تجمع شركتي “Salbi Sarl” و“أبناء المحمدي بلحاج”، بقيمة مالية تجاوزت 130 مليون درهم، أي ما يعادل أكثر من 13 مليار سنتيم.

ووفق المعطيات الرسمية، فإن هذا التجمع كان الوحيد الذي تقدم للتنافس على الصفقة، التي تتضمن أشغال بناء المسجد ومرافقه، وذلك ضمن مشروع يندرج في إطار برنامج الوزارة لتطوير وتأهيل البنية التحتية الدينية بالمملكة.

وتأتي هذه الخطوة في سياق جهود وزارة الأوقاف الرامية إلى الرفع من جودة أماكن العبادة وتحسين ظروف استقبال المصلين، حيث كان الوزير أحمد التوفيق قد كشف في وقت سابق عن تخصيص ميزانية مهمة لإنجاز مشاريع بناء وتأهيل المساجد بمختلف جهات المملكة.

وحسب معطيات الوزارة، فقد تم تخصيص 154.6 مليون درهم لاستكمال بناء 23 مسجداً والشروع في تشييد تسعة جديدة، بينما تم رصد 275.5 مليون درهم لإعادة تأهيل المساجد المتضررة، و146.9 مليون درهم لترميم المساجد التاريخية، إضافة إلى 264.9 مليون درهم لتجهيز 1640 مسجداً بأنظمة حديثة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى