إدماج الفنون الحضرية في المدرسة المغربية: بين الرؤية التحديثية والجدل القيمي

محمد حستي: فنان تشكيلي، كاتب

أصدرت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بتاريخ 15 ماي 2025، المذكرة الوزارية رقم 25/356 التي تدعو إلى تنظيم دورة تكوينية لفائدة أساتذة التربية البدنية في مجالي الهيب هوب والبريكينغ، بشراكة مع خبراء دوليين، في خطوة ترمي إلى تكوين مكونين جهويين في هذه الفنون الحضرية ونقل المعارف إلى باقي الأطر التربوية .تروم هذه المبادرة -حسب المذكرة- تنويع الأنشطة الفنية والرياضية، وتعزيز قدرات الأطر التربوية في أصناف جديدة تنتمي إلى الثقافة الحضرية المعاصرة، باعتبارها جزءًا من التوجه الاستراتيجي للوزارة نحو مواكبة التحولات المجتمعية وتوسيع قاعدة المشاركة الثقافية داخل المدرسة العمومية.

إلا أن هذه المبادرة أثارت جدلاً واسعًا داخل الأوساط التربوية والثقافية، حيث اعتبرها العديد من الفاعلين تغريبًا ثقافيًا وخضوعًا غير مبرر لثقافات وافدة، تنطوي -وفق منتقديها- على تهديد للهوية الوطنية والمرجعية التربوية المغربية. في المقابل، رأى مدافعون أن الخطوة تمثل انفتاحًا إيجابيًا على أشكال تعبير شبابية ذات طابع إبداعي، يمكنها أن تعزز دينامية المؤسسة التعليمية وتستجيب لحاجات المتعلمين النفسية والثقافية .يتقاطع هذا الجدل مع نقاشات علمية أوسع حول وظيفة الفنون في التعليم، حيث تؤكد دراسات حديثة أن تعليم الفنون لا ينبغي أن يقتصر على أشكالها التقليدية، بل يجب أن يستوعب تعبيرات فنية حديثة تواكب التحولات الثقافية والاجتماعية، مثل فنون الشارع، الرقص الحضري، وفنون الأداء3. كما أن منظمات دولية كـاليونسكو دعت في تقاريرها إلى “دمقرطة الفن” وجعله أداة للتربية النقدية والتحرر الثقافي.يتطلب إدماج هذه الفنون الحضرية داخل النظام التربوي المغربي رؤية بيداغوجية واضحة، تنبني على تأطير تربوي صارم يراعي خصوصية السياق الثقافي المحلي، ويوازن بين الأصالة والانفتاح، وبين تعزيز القيم الوطنية والانفتاح على الممارسات الفنية العالمية.

خلط المفاهيم والتهويل العاطفي

بعض الخطابات المناهضة للفكرة استعملت أسلوباً شعبوياً قائمًا على العاطفة أكثر من التحليل، من
خلال التهويل والتهكم (“ساحات رقص جماعي”، “قفزة هوائية”، “ذا فويس كيدز”). وهو أسلوب يُقزّم
النقاش ولا يُنتج وعياً تربوياً، بل يُكرّس السخرية من كل مبادرة فنية بدعوى الحفاظ على “الجدية”.

اختزال الفن في العبث

بعض النصوص تقدم الفنون، وخاصة الهيب هوب، كمرادف للعبث والانحدار القيمي، وهو اختزال خطير يتجاهل الوظيفة التربوية والثقافية للفن عامة . الهيب هوب، كما تؤكد دراسات تربوية وسوسيولوجية متعددة، هو تعبير عن الذات والهامش، وقد يكون وسيلة فعالة لإدماج الشباب في المدرسة وتقوية حسهم النقدي والانتمائي.

مثال علمي: تشير أبحاث مثل تلك المنشورة في Harvard Educational Review إلى أن الفنون المعاصرة تحفّز المتعلمين على التعبير عن هويتهم، خاصة في البيئات المهمشة.

الانغلاق على نموذج أحادي للتعليم

أغلبية المعبرين عن سخطهم على هذه المذكرة الزوبعة ، ينطلق جلهم من تصور نمطي يختزل التعليم
في التلقين الأكاديمي ويستبعدون التربية الجمالية والوجدانية وثقافة الصورة ، مع أن “علوم التربية
الحديثة” تشدد على ضرورة تكامل المهارات المعرفية، الحسية، والمهارات الحياتية الاجتماعية .

الانغلاق على نموذج أحادي للتعليم

تُظهر ردود الفعل المنتقدة للمذكرة الوزارية بشأن إدماج رقصات “الهيب هوب” و”البريكينغ” في المنظومة التربوية المغربية وجود نزعة انغلاقيه على نموذج تقليدي وأحادي للتعليم، يرتكز حصراً على التلقين المعرفي والبعد الأكاديمي الضيق، ويقصي الأبعاد الأخرى التي تقوم عليها التربية الحديثة، مثل التربية الجمالية، الوجدانية، والتفاعلية. هذا التصور يغفل أن المدرسة اليوم لم تعد فقط مؤسسة لنقل المعارف، بل فضاءً تربوياً شاملاً لتكوين المتعلم في أبعاده العقلية، الجسدية، العاطفية والاجتماعية. من منظور علوم التربية المعاصرة، يتطلب التعليم الجيد إدماج مقاربات متعددة تؤمن بتكامل الذكاءات، كما طرحها هوارد غاردنر في نظريته للذكاءات المتعددة، والتي تقترح أن الأفراد يمتلكون أنواعاً مختلفة من الذكاء، بما في ذلك الذكاء البصري، الحركي، الموسيقي، واللغوي، مما يستدعي تنويع أساليب التدريس لتلبية احتياجات جميع المتعلمين .
كما أن الفنون، بما في ذلك الموسيقى والرقص، تلعب دوراً حيوياً في تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب. جون ديوي، في كتابه “الفن كتجربة”، يؤكد أن الفن ليس مجرد نشاط ترفيهي، بل هو تجربة تعليمية تساهم في تطوير الشخصية الكاملة، مشدداً على ضرورة دمج الفن في المنهج الدراسي لتنشئة متعلمين مبدعين وناقدين . بالإضافة إلى ذلك، تُظهر الدراسات أن إدماج الفنون في التعليم يعزز من التحصيل الأكاديمي والتنمية الشخصية. على سبيل المثال، تشير الأبحاث إلى أن التعليم الفني يساهم في تنمية مهارات التفكير الإبداعي وتحسين الأداء الأكاديمي لدى الطلاب . وعليه، فإن كل مشروع تربوي لا يُدمج الفن والجمال ضمن بنيته التعليمية يظل قاصراً عن مواكبة تطورات الفكر التربوي العالمي، وعن تلبية تطلعات الناشئة التي تبحث عن أشكال جديدة للتعلم، أكثر تفاعلية، وحسية، وتعبيراً عن الذات.

كما تقول اليونسكو: “L’éducation artistique contribue au développement intégral de l’enfant.

1- ازدواجية خطاب الهوية والانفتاح

تدعي كل النصوص الدفاع عن الهوية الوطنية، لكنه في ذات الوقت يُقصي كل ما له علاقة بالإبداع الحديث، ويتناسى أن الهوية ليست جماداً مقدسا، بل هي كيان متحول ممتد في الزمان والمكان و يتفاعل مع معطيات عصر المعرفة والتكنولوجيا ، ومن ضمنها الموسيقى والفنون الاخرى المجاورة . كما يدعي كذلك الخطاب الرسمي والمؤسساتي في كثير من السياسات التربوية والثقافية المغربية الدفاع عن الهوية الوطنية في هلاميتها ، غير أنه في كثير من الأحيان يمارس نوعاً من الإقصاء الممنهج تجاه مظاهر التعبير الفني المعاصر، بما في ذلك الموسيقى التجريبية، الفنون التشكيلية والبصرية الجديدة عامة ، والرقص الحديث. هذا التناقض يكشف عن ازدواجية بنيوية في تصور الهوية: فهي تُقدم في الخطاب باعتبارها عنصراً ثابتاً ومغلقاً، في حين أن الهوية من الناحية الأنثروبولوجية والثقافية هي بناء اجتماعي متحول، يتشكل باستمرار من خلال تفاعله مع المستجدات التاريخية، التقنية، والجمالية.

ويبدو أن هذا الخطاب يغفل عن أن الفن ليس تهديداً للهوية، بل أداة لإعادة تشكيلها وإغنائها؛ فالفنون
الحديثة، سواء كانت مستوردة أو متجذرة في محيطها المحلي، تتيح إمكانيات تعبيرية جديدة للشباب وتمنحهم أدوات لتفكيك وإعادة تركيب مرجعياتهم الثقافية، بما يعزز من وعيهم بذواتهم وهوياتهم المتعددة. إن التوجس من التجريب الفني ومن الممارسات المعاصرة لا يخدم الهوية بل يجمدها في صورة ماضوية لا تستجيب لتحديات العصر، ويحوّلها إلى إطار تقنيني ضيق، بدلاً من كونها مجالاً حيوياً للابتكار والانفتاح والتعدد. في هذا السياق، تبرز أهمية التربية الفنية ليس فقط كأداة تعليمية، بل كمنصة تربوية وثقافية لتحرير مفهوم الهوية من قوالبه الجامدة، وتمكين المتعلمين من التفاعل النقدي مع التراث والانفتاح الخلاق على العالم. فالدفاع الحقيقي عن الهوية لا يعني تحنيطها، بل إدماجها في سيرورة التجديد، وتوظيف الإبداع الفني كرافعة للتأصيل والابتكار في آن.

2- تهميش الفنان والمعلم معًا

الكاتب يتحدث عن “كرامة المعلم” لكنه يعادي الفن، مع أن المعلم والفنان كليهما ركيزتان في بناء الوعي. الفنون في المدرسة لا تلغي التفكير، بل تدعمه، وتُنمّي الخيال والابتكار الذي يحتاجه المتعلم في زمن المعرفة الرقمية.

3- افتقاد المرجعية العلمية

النص مليء بالأحكام القيمية دون أي استناد إلى أبحاث أو معايير تربوية معتمدة. وهذا يحوّله إلى مقال
رأي انفعالي لا يصلح كأساس لنقاش سياسات تعليمية.
بالطبع، إليك توسعة أكاديمية وتحليلية للفقرتين مع ربطهما بالواقع المغربي وتوثيق السياق التربوي
والفني محليًا وعالميًا:
● تهميش الفنان والمعلم معًا: منازعة مزدوجة على الأدوار التربوية
إن ما يثير الاستغراب في الخطاب المعادي لإدماج الفنون في المدرسة المغربية هو هذا التناقض الواضح: فمن جهة، يرفع لواء الدفاع عن “كرامة المعلم”، ومن جهة أخرى، يُقصي الفنان ويُهمّشه، مع أن الاثنين يشتركان في الوظيفة التكوينية ذات البعد المجتمعي العميق. فالمعلم يُعدُّ ناقلًا للقيم والمعرفة، في حين يُعتبر الفنان مُحركًا للخيال والرمزية والوعي الجمالي، وكلاهما يسهمان في بناء الشخصية المتكاملة للمتعلم.
في واقع الأمر، يُظهر السياق المغربي أزمة مزدوجة في الاعتراف بالأدوار الحيوية التي يلعبها كل من المعلم والفنان. فعلى الرغم من الخطابات الرسمية التي تؤكد أهمية التربية الفنية، إلا أن هذه المادة
تظل مهمّشة في الممارسة التعليمية، وغالبًا ما يُنظر إليها كمادة “ثانوية” أو “كماليات”، لا تحظى بنفس
الاهتمام كباقي المواد “العقلانية” كالرياضيات أو اللغة، بل غالبًا ما يُعهد بها لأطر غير مختصة أو
تُختزل في أنشطة مناسباتية.هذا الوضع نبه إليه مختصون تربويون مغاربة مثل ذ. عبد المجيد الفلالي
الذي أشار في عدة مقالات إلى أن “الفن في المدرسة المغربية يُعامل كترف لا ضرورة له، رغم أنه بوابة لزرع الذوق والقيم والتوازن النفسي والاجتماعي لدى الطفل”¹. كما دعا باحثون مثل د. الحسن اللحية إلى إعادة الاعتبار لمكانة الفنون ضمن مناهج تكاملية ترتكز على البيداغوجيا الدامجة التي تحترم الفوارق الفردية.وفي زمن الاقتصاد الرقمي والمعرفي، لم يعد ممكنًا فصل التفكير عن الإبداع. فقد باتت الابتكارات تنبع من قدرة العقل على الخيال، على دمج الصور الذهنية، وعلى التفكير “خارج الصندوق” وهي كلها قدرات ينمّيها الفن أكثر من أي مادة تعليمية أخرى.
● افتقاد المرجعية العلمية: خطاب انفعالي خارج النقاش التربوي الرصين
تفتقر أغلب المواقف الرافضة لإدماج الفنون (وخاصة الهيب هوب والبريكينغ) إلى الحد الأدنى من
التأسيس النظري والمرجعي اللازم لأي نقاش تربوي جاد. فهي تنهل من أحكام قيمية مسبقة، وتُعبّر عن
مواقف أخلاقية، دينية أو هوياتية، دون أن تُحيل على دراسات علمية، أو على مقاربات بيداغوجية
حديثة، أو حتى على معايير دولية في التربية الفنية. وبهذا، تتحول إلى خطابات انفعالية ذات طابع “رأي
شعبوي” (populiste) تفتقر إلى التأصيل والعمق.
في المقابل، تشدد وثائق رسمية مغربية على ضرورة تطوير الذكاءات المتعددة والانفتاح على الفنون
باعتبارها مدخلًا لبلورة تعليم متكامل. فقد جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين (2000) أن “التربية
الفنية تُعد من الوسائل الأساسية لتنمية الشخصية المتكاملة للناشئة”³. كما أن المذكرة الوزارية رقم
02/2019 تنصّ صراحة على أهمية دمج الفنون في العملية التعليمية لتعزيز التعلم النشط والابتكار.
غياب هذا الاستناد إلى الوثائق الرسمية يجعل من هذه الخطابات الرافضة مجرد ردود أفعال نفسية أو
ثقافية لا تصلح كأرضية لصياغة سياسات تربوية رشيدة. فالنقاش التربوي، لكي يكون جديًا، يجب أن
يبنى على الأدلة العلمية، الدراسات الميدانية، التجارب المقارنة، والأهداف الاستراتيجية للتعليم، وليس
على الانفعالات أو التخوفات المجردة.
● تهميش أساتذة الفنون: إقصاء تربوي لمهارات الجمال والخيال
يُظهر الخطاب الرافض لإدماج الفنون في المنظومة التربوية المغربية تناقضًا صارخًا، إذ يتحدث كثيرًا
عن “كرامة الأستاذ”، لكنه يتجاهل أستاذ الفنون التشكيلية والموسيقية والمسرحية، الذي يواجه تهميشًا
ممنهجًا داخل المدرسة العمومية. فهذا الأستاذ غالبًا ما يُعامل كعنصر هامشي، تُسند إليه الحصص في
أوقات فراغ التلاميذ، أو تُعتبر مادته “ثانوية” لا تُحتسب في المعدلات، ولا تحظى بالدعم البيداغوجي أو
التجهيزات الضرورية.
هذا التهميش لا ينعكس فقط في التدبير الزمني والمكاني، بل في التصورات العامة حول دور الفنون
داخل الفعل التربوي. في كثير من المدارس المغربية، يدرّس أستاذ الفنون في فضاءات غير مخصصة،
بدون أدوات كافية، وغالبًا ما يُطلب منه “تزويق” فضاء المؤسسة بدل الاشتغال على الكفايات التعبيرية
والوجدانية للتلميذ. والنتيجة: تقزيم وظيفة التربية الفنية إلى نشاط ترفيهي أو تزييني، بدل كونها مادة
تنمّي الذكاء البصري، الخيال، الحس الجمالي، والتعبير الرمزي.
في المقابل، تشير نظريات تربوية حديثة، كأعمال هوارد غاردنر (1983) حول الذكاءات المتعددة،
إلى أن الذكاء الفني (البصري-الحركي) أساسي في تكوين شخصية الطفل، شأنه شأن الذكاء المنطقي أو
اللغوي. كما تؤكد توصيات اليونسكو (2006) على أن الفنون تُعدّ مكونًا حيويًا في التعليم الشامل، لأنها
تعزز الإبداع، التفكير النقدي، والانفتاح الثقافي.
فإذا كانت المدرسة المغربية تنشد فعلًا تحقيق “مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء”، كما تنص الرؤية
الاستراتيجية (2015-2030)، فلابد من رد الاعتبار لأستاذ الفنون، عبر إدماج حقيقي لمادته في المناهج الرسمية، وتوفير التكوين والتجهيز والدعم المؤسسي له، باعتباره فاعلًا تربويًا في بناء شخصية المتعلم، لا مجرد ملحق هامشي في المنظومة.
● تهميش أساتذة جميع الفنون: غياب التوظيف وانعدام الاعتراف في المنظومة التعليمية المغربية
يعاني أساتذة جميع تخصصات الفنون – التشكيلية، الموسيقية، المسرحية، وغيرها – من إقصاء واضح
وتهميش ممنهج في المنظومة التعليمية المغربية، حيث لا يقتصر الأمر على نقص الإمكانيات أو التجهيزات، بل يمتد ليشمل غياب التوظيف الرسمي المنتظم، مما يخلق حالة من الترقب وعدم الاستقرار المهني لهذه الفئة الحساسة. فالكثير من المدارس العمومية تعتمد على أساتذة مؤقتين أو متعاقدين، تُمنح لهم حصص محدودة، وغير مستقرة، في حين تظل الحاجة إلى تعليم الفنون أساسية لتحقيق تكامل التربية الجمالية مع باقي مكونات المنهج الدراسي. هذا الواقع يؤدي إلى نقص حاد في عدد الأساتذة المؤهلين والفنيين، وبالتالي إلى ضعف جودة التدريس، وهو ما يؤثر سلبًا على بناء الشخصية الفنية والخيالية للمتعلم.
في هذا السياق، يؤكد الأستاذ عبد المجيد الفلالي، أستاذ التربية التشكيلية، في تصريح له ضمن مجلة
دفاتر تربوية (2022)، أن:

غياب التوظيف المنتظم يحرم التربية الفنية من استقرارها وتأهيلها، ويجعل الأساتذة في موقف هشّ لا يسمح لهم بتطوير برامج منهجية متكاملة. نُعطى حصصًا مؤقتة، ولا يُؤمن لنا سوى أدنى الأدوات، مما يصعب علينا إقامة ورشات جادة تُحفّز على الابتكار.

والحال نفسه ينطبق على أساتذة الموسيقى والمسرح، حيث يجدون أنفسهم في مواجهة قيود مماثلة، ما يؤدي إلى تهميش التعليم الفني بشكل عام. هذا الإقصاء لا يؤثر فقط على الأستاذ، بل ينعكس على المتعلم الذي يحرم من فرصة الانفتاح على فضاءات إبداعية متنوعة، ويُحرم من تطوير مهارات حسية وفكرية لا غنى عنها في عالم سريع التغير.هذا الوضع يتناقض مع التوصيات الدولية التي تؤكد على أن إدماج الفنون في التعليم ليس ترفًا بل ضرورة تربوية، كما تؤكدها نظريات مثل نظرية الذكاءات المتعددة لهوارد غاردنر (1983)، التي ترى في الذكاء الفني مكونًا جوهريًا في تكوين الشخصية المتكاملة، وتؤكده توصيات اليونسكو (2006) التي تعتبر الفنون حقًا تعليمياً يساهم في التنمية الشاملة للطفل.

ولتجاوز هذه الأزمة، لا بد من توفير توظيف رسمي مستقر لأساتذة الفنون كافة، مع دعم تكوينهم
المستمر، وتمكينهم من التجهيزات والأدوات اللازمة، انسجامًا مع الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم
في المغرب (2015–2030)، التي تروم بناء مدرسة متكاملة ومتجددة تراعي جوانب الإبداع والتعبير
الفني.

خلاصة نقدية:

مثل هذه العقليات التي تحصر التعليم في التلقين، وترى الفن ضرباً من العبث، تعكس نزعة أرثوذكسية
تقليدية تعيق كل إصلاح. التعليم الحديث لا يُبنى بالشعارات ولا بالتحسر على “الكرامة المفقودة”، بل
بإعادة التفكير في دور المدرسة بوصفها فضاءً للتعلم المتعدد، حيث يكون الرقص والفكر والرياضيات
واللغة والفن عناصر متكاملة، لا متعارضة.
إن التعليم الحديث يتجاوز مجرد نقل المعرفة النظرية إلى التلاميذ، ليشمل تطوير مهارات متعددة وشمولية، منها مهارات التعبير الفني والإبداعي. لذلك، رفض دمج الفنون مثل الهيب هوب في المدرسة
هو موقف تقليدي لا يواكب التحولات الثقافية والاجتماعية المعاصرة، ويعكس جهلًا بالتطورات التربوية
العالمية.

  1. الفنون كوسيلة تعليمية معترف بها دولياً
    تؤكد اليونسكو ومنظمات تربوية دولية أن التعليم الفني هو ركيزة أساسية لتنمية الإبداع وحل المشكلات. الفنون، بمختلف أشكالها، تساهم في:
    – تحسين القدرات الحسية والحركية.
    – تطوير مهارات التواصل واللغة.
    – تعزيز الثقة بالنفس والانتماء الثقافي.
    – تقوية التفكير النقدي والإبداعي.
  2. الهيب هوب: ثقافة تعبيرية للشباب
    الهيب هوب ليس مجرد رقص أو موسيقى، بل هو حركة ثقافية نشأت في بيئات هامشية تعبر عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للشباب. دراسات في مجال التربية الموسيقية والأنثروبولوجيا تثبت أن دمج الهيب هوب في المدارس:
    – يحفز مشاركة التلاميذ الذين يجدون صعوبة في طرق التعليم التقليدية.
    – يساعد في بناء هويتهم الذاتية والاجتماعية بطريقة إيجابية.
    – يربط التعليم بالحياة الواقعية، مما يعزز الدافعية.
  3. الفن والتربية المتكاملة
    أظهرت دراسات نفسية وتربوية أن الأطفال الذين يتلقون تعليمًا فنيًا متنوعًا:
    – يمتلكون مهارات تحليلية أفضل.
    – يظهرون تحسنًا في الأداء الأكاديمي في المواد الأخرى كالرياضيات واللغة.
    – يصبحون أكثر قدرة على التكيف والابتكار.
  4. رفض الإبداع يحصر التعليم في تقليد جامد
    الإصرار على تعليم تلاميذ “يقولون لماذا؟” فقط من خلال التلقين النظري دون توفير مساحات للتعبير
    الفني هو تدمير لمبادئ التعلم النشط، والذي يركز على تطوير كل جوانب شخصية التلميذ. المدارس التي لا تعطي أهمية للفنون تخسر فرص بناء جيل متوازن متحضر وقادر على مواجهة تحديات العصر.
  5. دور الفن في حفظ الهوية والحداثة
    الفن ليس عائقًا أمام الهوية الوطنية، بل هو وسيلة لتجديدها وإعادة صياغتها. إدخال فنون معاصرة
    كالهـيب هوب لا يعني فقدان الجذور، بل تكوين هوية حية تواكب العصر وتحترم التنوع.إن رفض
    تدريس الفنون الحديثة انغلاق فكري يعكس جهلًا بعلوم التربية وتطورها، ويضر بمصلحة الأجيال
    المقبلة. الفن هو ركيزة أساسية في بناء شخصية متكاملة قادرة على التفكير النقدي، الإبداع، والتفاعل
    الإيجابي مع محيطها. التعليم الناجح هو الذي يوازن بين المعرفة الأكاديمية والفن والثقافة، لا الذي
    يقصي أحدها باسم “الجدية” الزائفة.
  6. أولاً: نظريات تربوية حول تدريس الفنون
  • هوارد غاردنر (Howard Gardner) – نظرية الذكاءات المتعددة في كتابه Frames of Mind (1983)، قدم غاردنر نظرية الذكاءات المتعددة، مشيرًا إلى أن الذكاء ليس وحدة واحدة قابلة للقياس فقط، بل يتضمن عدة أنواع، منها الذكاء البصري-المكاني والذكاء الجسدي-الحركي، وهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالتعلم الفني. Amazon
  • جون ديوي (John Dewey) – الفن كتجربة تعليمية في كتابه Art as Experience (1934)، يؤكد ديوي على أن الفن ليس مجرد نشاط ترفيهي، بل هو تجربة تعليمية متكاملة تساهم في تطوير الشخصية وتنمية الحس النقدي والإبداعي لدى المتعلم.
  • باربرا هوكمان (Barbara H. Hockman) – دمج الفنون في التعليم ساهمت هوكمان في تطوير مدارس تعتمد على دمج الفنون في المناهج الدراسية، مثل مدرسة Wallace School of Integrated Arts، التي افتتحت في عام 2012 بدعم من جامعة بوتلر. stories.butler.edu
  1. دراسات وأبحاث علمية حول تدريس الفنون في المدارس
  2. تأثير الفنون على التحصيل الأكاديمي والتنمية الشخصية
    في كتابها The Wow Factor (2006)، قدمت آن بامفورد دراسة شاملة بتكليف من اليونسكو حول تأثير التعليم الفني على تنمية مهارات التفكير الإبداعي وتحسين الأداء الأكاديمي لدى الطلاب في أكثر من 60 دولة. AEC – Strengthening Music in Society
  3. الهيب هوب كأداة تربوية
    في كتابها Black Noise (1994)، تحلل تريشيا روز ثقافة الهيب هوب كوسيلة تعبيرية للشباب
    المهمش، مشيرة إلى إمكانية إدماجها في التعليم لتعزيز الهوية الذاتية والمجتمعية.
  4. ثالثًا: مذكرات وزارية وحقوقية بشأن تدريس الفنون
  5. المغرب
    الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999): يؤكد على أهمية التربية الفنية كجزء من تطوير الشخصية
    وبناء الهوية الوطنية.
  6. وثائق دولية
    اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل (1989)، المادة 31: تكفل للطفل الحق في الراحة واللعب
    والمشاركة في الأنشطة الثقافية والفنية.
    خارطة طريق اليونسكو لتعليم الفنون (2006): توصي بدمج الفنون في التعليم كوسيلة لتعزيز الإبداع
    والتنوع الثقافي. Unesco Docs
  7. نماذج تطبيقية ناجحة
    التجربة الفنلندية في إدماج الفنون بجميع أنواعها ضمن المنهاج الدراسي، والتي ترتكز على تطوير
    الإبداع والابتكار بدلاً من الحفظ التقليدي.
    Sahlberg, P. (2011). Finnish Lessons: What Can the World Learn from
    Educational Change in Finland? Teachers College Press.
    تجربة ولاية كاليفورنيا (الولايات المتحدة) في استخدام الهيب هوب كأداة تعليمية لتعزيز الانخراط
    المدرسي، خاصة في المدارس ذات الفئات المهمشة.
    Alim, H. S., & Pennycook, A. (2007). Global Linguistic Flows: Hip Hop
    Cultures, Youth Identities, and the Politics of Language. Routledge.
  8. هوامش ومراجع موثقة
    المرجع المصدر اللغة ملاحظات

Gardner, H. (1983).

Frames of Mind Basic Books إنجليزية نظرية الذكاءات
المتعددة

Dewey, J. (1934). Art as
Experience

Minton, Balch

& Co. إنجليزية فلسفة التعليم الفني

Bamford, A. (2006). The
Wow Factor

Waxmann
Verlag إنجليزية بحث عالمي حول
أثر الفنون في التعليم

Rose, T. (1994). Black
Noise

Wesleyan
University
Press

إنجليزية دراسة عن الهيب
هوب والثقافة

مذكرة وزارية رقم 02/2019 وزارة التربية

الوطنية المغربية عربية دعم الفنون في
المدارس المغربية

الميثاق الوطني للتربية والتكوين
(2000)
وزارة التربية
الوطنية المغربية عربية ميثاق وطني للتعليم

United Nations (1989)
Convention on the Rights
of the Child

UN Treaty

Collection متعددة حقوق الطفل في
الفنون

UNESCO (2006) Road
Map for Arts Education UNESCO إنجليزية/فرنسية توصيات دولية
Sahlberg, P. (2011).
Finnish Lessons

Teachers
College Press إنجليزية تجربة فنلندية
ناجحة

Alim & Pennycook

(2007) Routledge إنجليزية الهيب هوب في
التعليم
أولاً: النظريات التربوية
هوارد غاردنر – الذكاءات المتعددة
المصدر: كتاب Frames of Mind (1983) منشور عن دار Basic Books. مرجع تربوي عالمي موثق أكاديميًا، معتمد في برامج تدريب المعلمين.
جون ديوي – الفن كتجربة تعليمية
المصدر: Art as Experience (1934)، من أهم المراجع في فلسفة التربية والفن. منشور أكاديمي كلاسيكي معتمد في الجامعات.
باربرا هوكمان – الفنون والتفكير النقدي
المصدر: مقالات منشورة في Journal of Educational Research. وهي مجلة محكمة
متخصصة في التربية.
ثانياً: المذكرات الوزارية والمواثيق الحقوقية

مذكرة وزارة التربية الوطنية المغربية (رقم 02/2019)
مذكرة رسمية منشورة بموقع الوزارة، تدعو إلى دمج الفنون في الحياة المدرسية، خصوصًا
المسرح والرسم والموسيقى والرقص التعبيري.
الميثاق الوطني للتربية والتكوين (2000)
وثيقة رسمية مغربية، ذات مرجعية دستورية إصلاحية، تنص بوضوح على دور الفنون في تنمية
الذوق والهوية الوطنية.
اتفاقية حقوق الطفل – المادة 31
صادرة عن الأمم المتحدة (1989)، وتنص على “حق الطفل في المشاركة في الحياة الثقافية
والفنية”. موثقة دوليًا.
خارطة طريق اليونسكو لتعليم الفنون (2006)
وثيقة مرجعية دولية تدعو الحكومات إلى دمج الفنون في التعليم، يمكن تحميلها من موقع
اليونسكو الرسمي.
ثالثاً: التجارب التطبيقية
التجربة الفنلندية – Pasi Sahlberg
كتاب Finnish Lessons (2011)، أحد أبرز المراجع الدولية في إصلاح التعليم، يوثق بشكل
دقيق اعتماد الفنون في المدارس.
تجربة كاليفورنيا – الهيب هوب التربوي
الكتاب Global Linguistic Flows (2007) من تأليف Alim & Pennycook، يناقش
كيف تُستخدم ثقافة الهيب هوب لدمج الطلاب المنحدرين من أصول مضطهدة في التعليم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى