لماذا دعت حركة “جيل زد 212” الجالية المغربية في الخارج إلى التظاهر أمام السفارات والقنصليات؟


أثارت حركة جيل زد 212 جدلاً واسعًا ودعوات لاحتجاجات داخل المغرب في تعبير واضح عن حالة الغضب والإحباط من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ورغم تنوع الشعارات المرفوعة في الوقفات الاحتجاجية، فإن القاسم المشترك بينها هو المطالبة بتحسين الخدمات الصحية والتعليمية وتوفير فرص العمل، في الأيام الأخيرة، أثارت حركة جيل زد 212 جدلاً واسعًا ودعوات قوية للتغيير داخل المغرب، لكن أحد الأبعاد اللافتة في تحركها هو توجيه نداء إلى الجالية المغربية بالخارج وإلى الشباب المغتربين للتظاهر أمام السفارات والقنصليات المغربية في بلدان إقامتهم. في ما يلي تحليل لأسباب هذه الدعوة، ودلالاتها، والمآلات المحتملة لها.
إن توسيع دائرة الاحتجاجات خارج المغرب قد يُفسَّر بشكلٍ خاطئ، ويُستغل لتشويه صورة الوطن في المحافل الدولية. فالتظاهر أمام السفارات والقنصليات، رغم أنه تعبير عن الغضب أو المطالبة بالإصلاح، قد يُعطي الانطباع بأن المغاربة في الخارج يقفون ضد وطنهم لا من أجل مصلحته. مثل هذه الخطوات تفتح الباب أمام وسائل إعلام وجهات معادية تستغل الموقف لتأليب الرأي العام العالمي، وتقديم المغرب في صورة بلدٍ فاقدٍ للاستقرار أو غير قادر على معالجة قضاياه الداخلية.
إن المشاكل الوطنية، مهما بلغت حدّتها، يجب أن تُناقش وتُحل في الداخل، عبر الحوار والمشاركة الديمقراطية وآليات المساءلة والمواطنة. فالوطن لا يُبنى من الخارج، ولا تُصلح صورته بالضغط عليه من العواصم الأجنبية، بل بالعمل الجاد والنقد البنّاء من أبنائه في الداخل.
المغاربة في الخارج لهم دور وطني مهم، لكن مسؤوليتهم الكبرى هي دعم التنمية والتلاحم، لا تغذية الشكوك والانقسامات. ومن الحكمة أن يُوجَّه الغضب الشعبي إلى قنوات وطنية مسؤولة بدل أن يُستغل في ساحات أجنبية لا ترى في احتجاجاتنا سوى فرصة لتصفية حسابات سياسية. فالمغرب بحاجة إلى نقدٍ صادقٍ من الداخل، لا إلى خصومةٍ تُدار من بعيد.
لكي نفهم لماذا تمتد الدعوة إلى الخارج، يجب أولًا استحضار الأسباب التي دفعت جيل زد 212 إلى الظهور داخل المغرب، أزمة الثقة في المؤسسات التقليدية، حيث الشباب المغاربة غالبًا ما يشعرون بأن الأحزاب السياسية والنقابات لم تعد تمثّلهم أو تستجيب لتطلعاتهم، ما دفعهم إلى التمركز في فضاءات إلكترونية لامتلاك نقطة انطلاق مستقلة، تراجع الخدمات العمومية: قضايا مثل الصحة والتعليم أصبحت رمزية لخلل في أولويات الدولة، خصوصًا بعد وفاة ثماني نساء أثناء عمليات قيصرية في مستشفى في أكادير، ما أثار غضبًا كبيرًا، إنفاق الدولة على مشاريع دولية رياضية: اعتراض متزايد على ضخ موارد ضخمة لبطولات كأس الأمم الافريقية أو كأس العالم أو البنى التحتية الكروية في حين يُعاني المواطن العادي من نقص في الخدمات الأساسية. شعار من الاحتجاجات: «لدينا الملاعب، أين المستشفيات؟”، بطالة الشباب وتهميشه،نسبة بطالة مرتفعة بين خريجي الجامعات تجعل فئة كبيرة من الشباب تشعر أنها مُستبعدة من أي أفق اقتصادي واجتماعي.
لهذه الأسباب، فإن الحركة ترى أن النضال من داخل المغرب وحده قد لا يكون كافياً، بل إنها تريد استخدام الجهد الجماعي للشباب المغاربة في المهجر لتعزيز الضغط الدولي والمحلي معًا، إن إطلاق نداء للتظاهر أمام السفارات والقنصليات المغربية يُعكس استراتيجيّات متعددة، منها توسيع دائرة الضغط السياسي والدبلوماسي: عندما يخرج المغاربة في الخارج إلى الشارع أمام البعثات الدبلوماسية، فإن ذلك يُحوّل قضية الحركة من شؤون داخلية إلى أبعاد دولية، حيث تُسلّط الأضواء الإعلامية الدولية على ما يحدث داخل المغرب، إشعار المغتربين أنهم جزء من النضال: الكثير من الشباب المغترب يشعرون بالعزلة أو بأن صوتهم لا يُسمع داخل الوطن. لهذا، فتح المجال لنضال مشترك يمنحهم دورًا في الحراك، ويُعزز الشعور بالانتماء والمشاركة السياسية، إبراز التناقض بين الوعود والتطبيق: الحركة تطالب بتمكين مغاربة العالم من حقوق سياسية مثل التصويت من بلدان الإقامة، وتخصيص مقاعد في البرلمان أو هيئات الحكم، وتفعيل ما ورد في خطاب الملك عن حقوق الجالية، حماية الاحتجاجات من القمع المحلي، في ظل احتمال قمع التظاهرات داخل المغرب أو منعها، فالاحتجاج الخارجي يُشكّل فضاء أقل خضوعًا لسلطة الأجهزة الأمنية، لكنه ليس خاليًا من تحديات.
باختصار، دعوة جيل زد 212 للمغاربة في الخارج للتظاهر أمام البعثات المغربية ليست مجرّد خطوة تضخيمية، بل هي استراتيجية تهدف إلى توسيع دائرة الضغط، إشراك الجالية، وتحويل الاحتجاجات إلى معركة أمام المجتمع الدولي. كما تُعيد صياغة علاقة الدولة بالمغاربة في الخارج من علاقة متلقّية إلى علاقة مشاركة ومساءلة.