هل يتدخل الملك محمد السادس لإقالة حكومة أخنوش وتعويضها بحكومة تكنوقراطية مؤقتة، أو الذهاب نحو انتخابات تشريعية مبكرة؟


يشهد المغرب في الآونة الأخيرة موجات متصاعدة من الاحتجاجات الشعبية ضد غلاء المعيشة، ارتفاع نسب البطالة، وانتشار مظاهر المحسوبية والزبونية التي تقوض الثقة في مؤسسات الدولة. ومع تنامي هذا الغضب الاجتماعي، يطفو على السطح سؤال مركزي، هل يمكن للملك محمد السادس، باعتباره الضامن لاستقرار البلاد والحكم النهائي في لحظات الأزمات، أن يتدخل لإقالة حكومة عزيز أخنوش وتعويضها بحكومة تكنوقراطية مؤقتة، أو الذهاب نحو انتخابات تشريعية مبكرة تعيد خلط الأوراق السياسية؟
هذا السؤال يكتسب راهنية مضاعفة مع اقتراب المغرب من تنظيم تظاهرات رياضية كبرى، أبرزها نهائيات كأس إفريقيا 2025 واستعدادات كأس العالم 2030، حيث يتطلب الاستقرار السياسي والاجتماعي صورة داخلية قوية تعكس الثقة في الدولة وقدرتها على ضبط إيقاعها السياسي.
منذ توليه رئاسة الحكومة سنة 2021، وجد عزيز أخنوش نفسه في قلب عاصفة شعبية تتعلق بتدهور القدرة الشرائية، وارتفاع أسعار المواد الأساسية والمحروقات، فضلاً عن عجز حكومته عن تقديم حلول ملموسة لمعضلة البطالة، خاصة بين الشباب وخريجي الجامعات. ورغم أن الأزمة الاقتصادية لها أبعاد عالمية (تأثير جائحة كورونا، الحرب في أوكرانيا، تقلبات الأسواق الدولية)، إلا أن الرأي العام المغربي يحمّل الحكومة مسؤولية مباشرة عن ضعف التدابير الاجتماعية، بل ويتهمها بالانحياز لمصالح رجال الأعمال على حساب المواطن البسيط.
هذه الأوضاع أفرزت حالة من الغليان الشعبي، تُرجمت إلى احتجاجات في مدن متعددة، ومطالب صريحة بإقالة الحكومة أو على الأقل إعادة هيكلتها، وفي ظل غياب معارضة برلمانية قوية قادرة على فرض التوازن، تتجه الأنظار إلى المؤسسة الملكية باعتبارها المرجع الأخير عند اشتداد الأزمات.
يتضح من خلال الاحتجاجات اليومية في مختلف المدن والقرى المغربية، أن المحتجين هم من الفئة الشابة في المغرب تشكل الأغلبية داخل الاحتجاجات، وهي فئة حيوية لكنها في الوقت نفسه هشة اجتماعياً واقتصادياً، لأن هذه الفئة تعيش على خيبات متكررة في سوق العمل حيث معدلات البطالة بينهم تتجاوز المعدل الوطني بكثير، فقدان الثقة في الأحزاب السياسية التي يعتبرونها غير قادرة على تمثيلهم أو الدفاع عن مصالحهم، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت فضاءً بديلاً للتعبير والتعبئة، ما يمنح احتجاجاتهم سرعة في الانتشار، وانتظارات عالية مرتبطة بالعدالة الاجتماعية، تكافؤ الفرص، ومحاربة الفساد والمحسوبية.
ولهذا فإن التعامل مع احتجاجات يقودها الشباب يحتاج إلى حساسية مضاعفة من طرف الدولة، لعدة أسباب، أهمها قابلية التصعيد، لأن الشباب أكثر استعداداً للمخاطرة والمواجهة إذا شعروا بالتجاهل أو القمع، وبالتالي أي تعامل سلبي مع هذه الفئة قد يُقرأ داخلياً وخارجياً على أنه قمع للمستقبل، مما يسيء لصورة المغرب، في المقابل، الاستماع للشباب وإشراكهم في القرار السياسي والإداري يمنح الدولة فرصة تاريخية لتجديد نفسها وضمان استقرار طويل الأمد.
بمعنى آخر، فالشباب ليسوا فقط “مصدر قلق” في الشارع، بل هم أيضاً مفتاح الحل إذا ما جرى التعامل معهم باعتبارهم شركاء في البناء وليسوا خصوماً.
لقد منح الدستور المغربي لسنة 2011 الحكومة صلاحيات واسعة، لكنه في الوقت نفسه أبقى للملك دوراً محورياً باعتباره “أمير المؤمنين” و”ضامن استقرار البلاد” ورئيس الدولة الذي يعين الوزراء ويعفيهم بموجب الفصل 47. هذا يعني أن للملك الحق دستورياً في إعفاء رئيس الحكومة أو أي وزير بناءً على مبادرة منه أو باقتراح من رئيس الحكومة نفسه، وبالتالي، فإن التدخل الملكي لتشكيل حكومة تكنوقراطية أو إقالة بعض الوزراء ليس أمراً استثنائياً في التجربة المغربية، بل سبق أن حدث في أكثر من محطة، مثل إعفاء وزراء بعد حراك الحسيمة سنة 2017. لكن تبقى الإشكالية في مدى استعداد المؤسسة الملكية للمضي نحو حل جذري قد يغير التوازنات السياسية القائمة، خصوصاً في ظرفية دولية حساسة.
قد تجلب حكومة تكنوقراطية شخصيات غير حزبية ذات خبرة في الاقتصاد والإدارة والديبلوماسية، قادرة على اتخاذ قرارات جريئة بعيداً عن الحسابات الانتخابية الضيقة، تهدئة الشارع: هذا الخيار قد يمنح نفساً جديداً للشارع المغربي، الذي سيرى أن الملك استجاب لمطالبه عبر تجديد الدماء وإعطاء الأولوية لمصالح المواطنين، تسريع الإصلاحات: بحكم التحرر من الضغوط الحزبية، يمكن لحكومة تكنوقراط أن تركز على ملفات آنية كتشغيل الشباب، ضبط الأسعار، وتطوير الخدمات الاجتماعية.
ولكنه وفي غياب الشرعية الشعبية، فإن حكومة غير منتخبة قد تواجه اتهامات بضعف تمثيليتها، وهو ما يتعارض مع روح دستور 2011 القائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة، حل مؤقت لا دائم، قد يُنظر إلى هذا الخيار على أنه مسكن مؤقت لا يعالج أزمة الثقة بين المواطن والسياسة، ما قد يعيد إنتاج الغضب بعد فترة قصيرة، إضعاف الأحزاب السياسية: تشكيل حكومة تكنوقراط قد يُنظر إليه كضربة إضافية للأحزاب، التي تعاني أصلاً من فقدان المصداقية، ما يوسع الهوة بين السياسة والمجتمع.
الذهاب نحو انتخابات سابقة لأوانها يبقى خياراً آخر مطروحاً، خصوصاً إذا استمرت الاحتجاجات وتفاقم الوضع الاقتصادي.
الانتخابات المبكرة قد تُعيد الثقة نسبياً من خلال إعطاء الشعب فرصة لاختيار ممثلين جدد، تجديد المشهد السياسي: يمكن أن تفتح الباب أمام بروز قوى جديدة أو إعادة ترتيب التحالفات بشكل يفرز حكومة أكثر انسجاماً مع مطالب الشارع، رسالة للخارج: إجراء انتخابات في جو ديمقراطي يعطي صورة إيجابية للمغرب كبلد يحترم قواعد التداول السلمي، وهو أمر مهم مع اقتراب التظاهرات الكروية الكبرى.
غير أن طرح الذهاب إلى انتخابات مبكرة، قد يكلف الدولة تكلفة مالية وتنظيمية عالية في ظرفية اقتصادية صعبة، وفي غياب البديل الجاهز، حيث تبدو الأحزاب السياسية تعاني أزمة مصداقية، وقد تُفرز الانتخابات نفس الوجوه مع اختلافات طفيفة، ثم أن الانتخابات تتطلب وقتاً لتنظيمها، بينما الأزمة الاجتماعية آنية ولا تحتمل الانتظار الطويل.
الاستقرار السياسي ليس مطلباً داخلياً فقط، بل هو ضرورة استراتيجية في ظل التزامات المغرب الدولية، سواء تعلق الأمر بالاستعداد لتنظيم كأس إفريقيا وكأس العالم، أو بتعزيز جاذبيته الاقتصادية والاستثمارية. أي اهتزاز سياسي قد يؤثر على ثقة الشركاء الدوليين ويضعف صورة المغرب كبلد آمن ومستقر في منطقة تعج بالتوترات.
لذلك، فإن المؤسسة الملكية قد تختار حلاً وسطاً يوازن بين الاستجابة لمطالب الشارع وحماية الاستقرار. وهذا قد يتمثل في: تعديل حكومي واسع يطيح بالوزراء الأكثر إثارة للجدل، إشراك كفاءات جديدة داخل الحكومة الحالية، دون إسقاطها بالكامل، إعلان إصلاحات اجتماعية عاجلة تهم التشغيل والدعم المباشر للفئات الفقيرة، كإجراء سريع يهدئ الاحتقان.
رغم أن بعض الأصوات تطالب بإسقاط الحكومة كلياً، إلا أن فئات واسعة من المغاربة تركز على تحسين أوضاعهم المعيشية أكثر من الدخول في متاهات سياسية معقدة. وهذا يترك المجال مفتوحاً أمام حلول تدريجية إذا ترافقت بإرادة صادقة وقرارات ملموسة.
الملك محمد السادس في خطاباته الأخيرة شدد على ضرورة تجديد النخب وإعطاء الأولوية للكفاءات، كما دعا مراراً إلى تعزيز العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد. هذا ينسجم مع سيناريو إحداث “رجّة” سياسية منظمة تعيد الثقة دون المغامرة باستقرار المؤسسات.
في ظل هذه الأوضاع والانتظارات، ما هي السيناريوهات المحتملة؟
يبقى الاستمرار مع تعديل وزاري عميق، هو السيناريو الأقرب على المدى القصير، لضمان الاستقرار مع إظهار استجابة للغضب الشعبي. حكومة تكنوقراط مؤقتة، وهو خيار وارد إذا تصاعدت الاحتجاجات بشكل يهدد النظام العام، لكن احتماله يبقى متوسطاً. انتخابات مبكرة، وهو سيناريو أقل ترجيحاً حالياً، لكنه قد يطرح بقوة إذا انهارت الثقة نهائياً بين الشارع والحكومة. وفي الأخير حلول اجتماعية واقتصادية عاجلة تُتخذ موازاة مع أي خيار سياسي، لضمان تهدئة الوضع وتخفيف الضغط على الشارع.
المغرب يوجد اليوم أمام لحظة دقيقة يتقاطع فيها الاجتماعي بالسياسي، والداخلي بالخارجي، فالغضب الشعبي حقيقي ولا يمكن تجاهله، لكنه في الوقت ذاته يحدث في سياق دولي وإقليمي يتطلب أقصى درجات الحذر.
الملك محمد السادس، بحكم موقعه الدستوري والتاريخي، يبقى الفاعل الأبرز القادر على توجيه الدفة نحو بر الأمان. تدخله محتمل، لكن المرجح أن يتخذ شكلاً متدرجاً لا يهز استقرار المؤسسات. حكومة تكنوقراط أو انتخابات مبكرة هما خياران مطروحان، لكن الأرجح هو تعديل وزاري عميق مقرون بإجراءات اجتماعية استعجالية.
هكذا يمكن للمغرب أن يحافظ على توازنه الداخلي، ويبعث برسالة طمأنة للشعب ولشركاء الدولة، بأن استقراره السياسي ثابت رغم تقلبات الأوضاع.

