الدبلوماسية الثقافية المغربية تتعزز في اليونسكو: انتخاب أحمد سكونتي رافعة لصون التراث الإنساني غير المادي

في إنجاز دبلوماسي وثقافي جديد، عزّز المغرب حضوره داخل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بانتخاب عالم الأنثروبولوجيا المغربي أحمد سكونتي عضوًا في اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي. وقد جرى هذا الانتخاب، أمس الجمعة، من شهر دجنبر 2025، خلال أشغال الدورة العشرين للجنة، المنعقدة بنيودلهي عاصمة الهند، حيث حظي الترشيح المغربي بدعم وازن تُوِّج بحصوله على 20 صوتًا من أصل 24، في مؤشر واضح على الثقة الدولية في الكفاءة العلمية المغربية وفي التجربة الوطنية الرائدة في مجال صون التراث اللامادي، ويُعد هذا الفوز تتويجًا لمسار طويل من العمل الثقافي والمؤسساتي الذي راكمه المغرب خلال العقود الأخيرة، إذ لم يعد حضوره في المحافل الدولية يقتصر على التمثيل الرمزي، بل بات قائمًا على الإسهام الفعلي في صياغة السياسات الثقافية العالمية. فاللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي تُعد من أهم الهيئات داخل اليونسكو، لما تضطلع به من أدوار حاسمة في تتبع تنفيذ اتفاقية 2003، ودراسة ملفات تسجيل عناصر التراث اللامادي، ووضع التوجهات الكبرى لحمايته وتثمينه.

ويكتسي انتخاب أحمد سكونتي أهمية خاصة، بالنظر إلى مكانته العلمية المرموقة وخبرته الأكاديمية والميدانية الواسعة في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية. فقد ارتبط اسمه، لسنوات طويلة، بالدراسات المتعلقة بالثقافات المحلية، والذاكرة الجماعية، وأنماط العيش التقليدية، خاصة في المناطق الصحراوية والمجالات الهامشية. وهو ما يجعل حضوره داخل هذه اللجنة قيمة مضافة، ليس فقط للمغرب، بل للنقاش الدولي حول سبل صون التراث غير المادي في سياقات التحول الاجتماعي والاقتصادي المتسارع. ومن جهة أخرى، يعكس هذا الانتخاب نجاح الدبلوماسية الثقافية المغربية، التي راهنت على جعل التراث الثقافي رافعة للحوار بين الشعوب، وأداة لتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل. فقد استطاع المغرب، عبر سياسة ثقافية متبصرة، أن يرسخ صورة بلد غني بتعدديته الثقافية واللغوية، ومتنوع بروافده العربية والأمازيغية والحسانية والأندلسية والإفريقية. وهو ما تُرجم عمليًا بتسجيل عدد مهم من عناصر التراث المغربي غير المادي في لوائح اليونسكو، مثل فنون الطبخ، والمواسم، والرقصات، والحرف التقليدية.

كما أن الدعم الكبير الذي حظي به الترشيح المغربي، والمتمثل في 20 صوتًا من أصل 24، يكشف عن شبكة علاقات دولية متينة، وعن مصداقية المغرب كشريك موثوق في القضايا الثقافية العالمية. ويؤكد هذا المعطى أن الرهانات الثقافية باتت اليوم جزءًا لا يتجزأ من القوة الناعمة للدول، وأن الاستثمار في المعرفة والتراث يمكن أن يوازي، بل ويتفوق أحيانًا، على أدوات التأثير التقليدية. إن انتخاب أحمد سكونتي لعضوية اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي لا يمثل نجاحًا فرديًا فحسب، بل هو إنجاز وطني يعكس نضج الرؤية الثقافية المغربية، وقدرتها على الإسهام في حماية التراث الإنساني المشترك. وهو إنجاز يفتح آفاقًا جديدة أمام المغرب لتعميق حضوره داخل اليونسكو، والمساهمة في بلورة سياسات دولية أكثر عدالة وشمولية في مجال صون الذاكرة الثقافية للشعوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى