الوترة الأمازيغية بين الرمزية والتعبير في تجربة عبد الحميد خمو

محمد حستي: فنان تشكيلي كاتب

في خريطة التراث الموسيقي المغربي عامة والأطلس المتوسط خاصة ، تُعد آلة الوترة من الأدوات القليلة التي ما تزال تحتفظ بخصوصيتها الرمزية والثقافية العميقة، خصوصًا في الأوساط الأمازيغية بالأطلس المتوسط والكبير ودكالة . ليست “الوترة” مجرد آلة وترية تُنتج أصواتًا تقليدية أو تنظم فقط تقاسيم موسيقية عابرة ؛ بل إنها أداة سرد تنبض بالشعر وروح الأزاوان ، والوجدان، والهوية، وتختزن في أوتارها تاريخًا من المقاومة الرمزية ضد التهميش والطمس الثقافي عبر العصور .
إن “الوترة”، في بنيتها المادية البسيطة، تحمل حمولة رمزية مركبة: فهي ترتبط بالراوي، بالفنان الحكيم، وبالشاعر الناقد الواعي ،المرتحل في القرى والمداشر والمدن ، وترافق جميع الطقوس الجماعية الأمازيغية كـ”الختان” و”الخطوبة” و”تامغرا”، وتُستعمل في التعبير عن كل مظاهر الحب، الحنين، الاغتراب ،التمرد، النقد ،المواساة ، والرفض. ولعل ما يُميز الوترة عن غيرها من الآلات الشعبية أنها ليست صوتًا فرديًا، بل صدى جماعي، وذبذبات عابرة مُفكِّكة للهوية اللغوية والثقافية للمجتمع الأمازيغي ،التي لطالما نُظر إليها كملحق فولكلوري في خطاب وثقافة الدولة المركزية التي رسخت عبر سياسة الإبعاد لكل ماهو مرتبط بالأرض الأم كأصل .

في العقود الأخيرة، عرفت آلة الوترة نوعًا من “الصحوة الفنية”، لكنها تظل محدودة ومحاصرة بثنائية الفلكلرة أو التهميش، في غياب مدارس تضع آلة الوترة تحت مجهر الدراسة، وجعلها قيد القراءة الموسيقية أو التنغيم أو الصولفيج ، وإحاطتها كذلك بنظريات الموسيقى ، ليخبر كل عازف على “الوترة” أن دراسة الآلة وكل ما يتعلق بالغناء والعزف والألحان والإيقاع والأصوات الموسيقية والمقامات وطريقة كتابة الصولفيج وقراءته وتفسيره وتحديد خصائصه في الأصوات الموسيقية هو السبيل إلى الارتقاء بآلة الوترة . وفي ظل هذا السياق، يبرز فنانون ملتزمون لهم كامل الوعي الفني والحسي في تطوير الوترة ، وبعظهم اختار عن وعي مسبق إعادة الاعتبار لهذه الآلة ليس فقط كأداة موسيقية شعبية ممتدة في الحياة الاجتماعية للمجتمع الأطلسي ، بل كرافعة تسويقية للنهوض الثقافي والتأصيل الفني الأمازيغي والكف من العشوائية المستشرية في أوساط مستهلكي الآلة ، ومن بين الفنانين الأمازيغ المثقفين، والمتواصل أكثر من غيره مع المجتمع الأمازيغي ، من خلال خطابه الوازن والموزون والهادف يشعرك الفنان “أنازور”عبد الحميد خمو، أن له حمولة ثقافية وخبرات اجتماعية منقطعة النظير ، و يُعد من الأصوات الاستثنائية، و الفريدة المخضرمة ، التي راهنت على” الوترة ” كأفق راق للإبداع والمرافعة الفنية.
من خلال هذا الحوار المفتوح مع الفنان الماتع عبد الحميد خمو ، نُلقي الضوء على مسار ه الفني والإنساني، وعلى رؤيته الواضحة لمستقبل الأغنية الأمازيغية، وعلى الدور الذي يمكن أن تلعبه آلة” الوترة” في إعادة صياغة العلاقة بين الفن ومجتمعها بالأطلس المتوسع وباقي الجهات الأخرى ، تحقيق الهوية، والنضال من أجل الثقافي الأصيل بالمغرب.

- الهوية والمسار الشخصي والفني
يُعد عبد الحميد خمو من الفنانين الأمازيغ الذين نشأوا في أحضان الطبيعة الجبلية الشامخة بين الأطلس المتوسط والكبير، وتحديدًا في منطقة تتميز بثراء رمزي وثقافي عميق، حيث تتقاطع الذاكرة الأمازيغية مع الإرث الشفهي الجمعي والمادي و اللامادي الانساني . وفي حديثه عن بداياته، يذكر أن اسمه الكامل هو عبد الحميد خمو، وهو من مواليد إحدى القرى الجبلية التي تنتمي جغرافيًا إلى الأطلس الكبير، لكنها تنفتح ثقافيًا على الأطلس المتوسط، مما منحه تنوعًا بيئيًا وثقافيًا ظل حاسمًا في تشكيل وعيه الفني.
عاش الفنان خمو طفولته في بيئة أمازيغية صحراوية تتسم بالبساطة، لكنها غنية بالألوان، بالحكايات، وبالإيقاعات الطبيعية والرمزية، وهو ما أسهم مبكرًا في استبطانه لجماليات الصوت واللون والشكل والنغم والإيقاعات . لقد تأثر بشكل خاص بالموسيقى المحلية ومظاهر التعبير الجماعي مثل أحيدوس، والوشم النسائي، والحكي الشفهي التقليدي ،والحِرف الأمازيغية من منسوج ومعمار وحصاد وثقافة الواحة الصحراوية ، التي تحولت فيما بعد إلى مكونات جمالية في أعماله الغنائية والفنية.
بدأت أولى محاولاته في التعبير الغنائي الفني في مرحلة مبكرة من المراهقة، حيث كان يستخدم أدوات بسيطة كالعيدان والعلب الفارغة لصنع صوت يشبه “الوترة” قبل أن يقتني آلة موسيقية حقيقية. يذكر أنه أنجز أول أغنية خاصة به في عمر السابعة عشرة، وكانت مستوحاة من قصة حقيقية حول فتاة من قريته أُجبِرت على الزواج التقليدي القسري ، مما شكّل لديه صدمة قسوة الجهل المركب في المجتمعات التقليدية، وأيقظ في شخصه وعيًا مبكرًا بقدرة الفن الأمازيغي على التعبير عن القضايا الاجتماعية والسياسية الجانحة، وعن كل مظاهر الحياة الاجتماعية الخاصة والعامة .
لم تكن هذه المحاولات التي خاضها خمو بالسهلة ، لولا الدعم النفسي والمعنوي الذي وجده من أسرته، وخاصة من والدته التي كانت تحفظ التراتيل الأمازيغية والحكايات والاحداث الاجتماعية والتاريخية القديمة، ومن بعض المعلمين في المدرسة الذين يشجعون كل شعلة وكل بذرة مبدعة نافعة، الذين لاحظوا مبكرا موهبته الفنية وقاموا بتشجيعه على تطويرها والمضي بها قدما . كما تأثر بشكل كبير ببعض المراجع القديمة من الفنانين الأمازيغ الكبار الذين تركوا الأثر الكبير في الذاكرة الجمعية الأمازيغية مثل محمد رويشة ، حمو أوليازيد ،ومحمد مغني وموحى أولحسين أشيبان، الذين يعتبرهم كل فنان أمازيغي بمثابة منارات فنية وثقافية .

أما من حيث التكوين الأكاديمي، فقد سعى الفنان عبد الحميد خمو إلى تعميق معارفه الفنية بشكل منهجي، فالتحق بمعهد متخصص في الفنون الموسيقية بمدينة ورزازات، حيث تلقى تكوينًا نظريًا وعمليًا في الموسيقى الأمازيغية الكلاسيكية، مع التركيز على تقنيات العزف على “الوترة” وتاريخها الأنثروبولوجي. كما شارك في دورات تكوينية حول الموسيقى السمعية والبصرية، مما أتاح له فهمًا أوسع لآليات التلقي الجمالي، وتوسيع مجاله التعبيري ليمتد إلى الفيديو كليب والتمثيل المسرحي. هذا التكوين الأكاديمي عزّز من قدراته الفنية، ومنحه الثقة في بناء مشروع فني متكامل يتجاوز الترفيه ليحمل رسائل ثقافية وهوياتية عميقة.وهكذا، فإن مسار الفنان عبد الحميد خمو يُجسد تجربة فنية أصيلة ومركّبة، تنبع من الجذور الأمازيغية العميقة في التاريخ ، لكنها تتجه بثبات ووعي نحو أفق الحداثة والتقاطع مع الثقافات الإنسانية الأخرى ، عبر تثمين التراث الموسيقي الأمازيغي المحلي وإعادة تأويله بأساليب معاصرة تزكي و ترفع من قيمه الإنسانية الممتدة .
- البيئة ونمط الطبيعة بالأطلسين الكبير والمتوسط
في حديث مطول مع الفنان خمو ،نرصد تجلى ارتباطه العميق بالبيئة الأطلسية، حيث يقول: “لي مع البيئة الأطلسية ارتباط روحي بما تحمله الكلمة من معنى … جبل وغابة فصحراء، الثلاثة محفز ومصدر إلهام، بهم اكتشفت دموع شفق الغروب ورسالة السحابة البيضاء”. ويضيف: “علينا أن نتقن قراءة ما وراء سطور صفحة القلب”، معتبرا أن الفن، بالنسبة له، ليس مجرد ممارسة وإنما تكليف إلهي. منذ الطفولة، تفتحت ذائقته الموسيقية على صوت الرايس بوموان وأشرطة عبد الباسط عبد الصمد، لينتقل في سن الثامنة إلى اقتناء أول شريط غنائي أمازيغي أصلي لأستاذه، بعنوان “أنمون إساغد يوسى” سنة 1982. لم تكن هذه سوى بداية لمسار فني طويل ابتدأ أول حفل له في سن 14، حيث غنّى قصيدة “سيدي ربي جود غيفي”. يشير كذلك الفنان خمو إلى الدور الجوهري والأساسي لوالده رحمه الله، الذي كان مفتونا بالطرب الأصيل، قائلا: “علمني كيف أوفق بين الفن والدين والدراسة”. أما في التكوين الموسيقي، فقد تعلم عصاميا أساسيات الموسيقى، وتلقى تكوينا على يد الأستاذة أم عهد، مشيرًا إلى أمله في مزيد من التكوين الأكاديمي.
يعتبر عبد الحميد خمو أسلوبه الفني نضاليا، قائلاً: “لا بد من السباحة ضد التيار السلبي الذي قد يدمر الأصالة”، معتمدا في موسيقاه على الآلات الوترية والإيقاعات الأصيلة مثل البندير، مع بناء أكاديمي موسيقي صارم، ووفاء لآلة لوتار، التي يراها “ترجمانًا لقلبه”.أما عن الخصوصيات الأمازيغية، فإن قصيدته “ريغ أدور…تمازيغت أسكلو…” التي كتبها الأستاذ هرو حمي، تمثل تجليًا لهذا الحضور الهوياتي في نصوصه وألحانه.

في قراءته لعلاقة الفن بالهوية، يقول: “الفن هو الجمال، أو السعي إلى الجمال المطلق، حيث تبقى الحقيقة نسبية”. ويرى أن الفن معيار لرفعة الأمم، موجها دعوته إلى “الرقي والسمو جماعيا”.
في ما يخص التراث الشفهي، يسترجع متابعته منذ الطفولة لفن أحيدوس وفن الحلقة، قائلاً: “كل هذه الفسيفساء كانت تشتغل في قلبي وبصمت، فأصبحت ترجمة لأحاسيس وموسيقى تسمعونها اليوم”.وعن البعد الاجتماعي للفن، يستحضر قول الفنان الطوارقي عثمان بالي: “الفنان طبيب الروح”، ويؤكد أن الفن تكليف وليس ترفًا. كما يعبّر عن امتنانه للجمهور القروي والحضري، قائلاً: “لا أستطيع أن أصف حبي لهما وسأرفع قبعتي لهما”.
في مواجهة تحولات العولمة، يدعو الفنان خمو إلى الانفتاح المتوازن، قائلاً: “اكتبوا بالأمازيغية، تكلموا الأمازيغية، أبدعوا بالأمازيغية…”، مُحذرا من الذوبان الثقافي. شارك عبد الحميد خمو في العديد من المهرجانات والمنصات الإعلامية، نال فيها عدة جوائز وتكريمات، من بينها جائزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2010، وجائزة راديو فزاز سنة 2014، وتكريم على قناة تامازيغت سنة 2022.
وعن علاقة الفنان بالجمهور، يقول: “الجمهور ليس ما يطلبه بل ما يسمو به”، محذرًا من الوقوع في فخ الإغراء والتبعية، مؤكدًا أن الالتزام هو ما يمنح للفنان أسلوبًا وهوية.أما عن الزي الأمازيغي، فيفضل لباس “تيموزغا”، ويرى فيه أناقة وانتماء وتاريخ. ويتمنى مزج آلة لوتار بالناي للعمل في الحقل الروحي، قائلاً: “لو علم الجدي أن جلده فيه شفاء للروح لتحول إلى راع للموسيقى”.
في النهاية، يفتح عبد الحميد خمو قلبه للنقاد والمتتبعين، مؤكدا أن كل مهتم مهم، وأن لكل رأي صادق مكانته. ويضيف أنه يحب الشعر وله قصائد غناها وأخرى لا تزال، ويحب الطرب الرفيع من كل بقاع العالم.وعن الأصوات الغنائية النسائية في الجنوب الشرقي، يعبر عن أسفه لأن العديد منها تظل حبيسة معتقدات وأفكار سلبية تحدّ من حضورها.هكذا تتجلى تجربة الفنان عبد الحميد خمو كتجربة فنية صادقة، موصولة بالهوية والوجدان والوعي الكوني، باحثة في الأصالة عن المعنى، وفي البساطة عن العبقرية.
يُعَدُّ الفنان الأمازيغي عبد الحميد خمو من أبرز الأصوات المعاصرة التي حافظت على أصالة فن “الوترة” الأمازيغية، مُجسِّدًا بذلك امتدادًا حيًّا لإرث فني عريق تأثر فيه بجيل من الرواد مثل حمو أوليازيد ،محمد رويشة، محمد مغني، اليوسفي بنموحا، بوزكري، والفنانة الكس. ومن خلال مسيرته الفنية، يُظهر خمو التزامًا عميقًا بالحفاظ على الهوية الأمازيغية وتطويرها بأسلوب علمي وأكاديمي
- النشأة والهوية: من كلميمة إلى الروح الأمازيغية
وُلد عبد الحميد خمو في مدينة كلميمة الواقعة بين الأطلس الكبير الشرقي وحواف الصحراء، وهي منطقة جغرافية ذات تضاريس قاسية، لكنها غنية رمزيًا وثقافيًا، تشكِّل ما يمكن تسميته بـ”الحاضنة الطبيعية للوجدان الأمازيغي”. لقد نشأ الفنان في حضن بيئة تُزاوج بين الشموخ الجبلي والامتداد الصحراوي، حيث تتعانق الطبيعة العذراء مع الموروث الشفهي والرمزي الذي توارثه الأمازيغ منذ قرون. هذه البيئة، بكل ما فيها من تناقضات مناخية وتنوع جغرافي وثقافي، لم تكن مجرّد محيطٍ جغرافيٍّ بل أصبحت نواة لتشكيل الحس الجمالي والروح الإبداعية لدى خمو.

يصف الفنان علاقته بهذه الأرض بلغة شاعرية ووجودية، معتبرًا أن “الارتباط بكلميمة هو ارتباط روحي بما تحمله الكلمة من معنى… جبل وغابة فصحراء، الثلاثة محفز ومصدر إلهام”. هذه العبارة، بقدر ما تُعبّر عن حنين حميمي، فإنها تكشف أيضًا عن بعد سيميائي عميق، حيث تتحول عناصر الطبيعة إلى رموز تؤسّس لهوية فنية وإنسانية متجذّرة.فالجبل بالنسبة لخمو ليس مجرد تضاريس، بل هو رمز للثبات والكرامة، والصحراء فضاء للتأمل والانفتاح على اللانهاية، أما الغابة فتمثل مخزون الذاكرة الجمعية، بما تحمله من خرافات الطفولة وأساطير الجدّات. ويضيف بتأمل صوفي: “بهم اكتشفت دموع شفق الغروب ورسالة السحابة البيضاء، حيث علينا أن نتقن قراءة ما وراء سطور صفحة القلب”، وهي عبارة تستبطن تصورًا شعريًا للعالم، حيث تتحول عناصر الطبيعة إلى نصوص تحتاج إلى التأويل، تمامًا كما تحتاج الأغنية الأمازيغية إلى فك شفراتها الرمزية والثقافية.
إن نشأة عبد الحميد خمو في هذه البيئة الغنية جعلت منه فنانًا ذا حس مزدوج: إحساس جمالي بالطبيعة، ووعي أنطولوجي بالانتماء. ففنه لا يُفهم بمعزل عن تلك الخلفية القروية والمجالية التي شكلت وجدانه، والتي انعكست لاحقًا في اختياراته الفنية من حيث اللغة، الآلة الموسيقية، المواضيع، وحتى الإيقاعات.
بهذا المعنى، لا يمكن فهم تجربة خمو الفنية إلا من خلال هذا الجذر الأولي: كلميمة، بما تحمله من رمزية في المخيال الأمازيغي. إنها ليست فقط مكان النشأة، بل أيضًا مكان الهوية الأولى، والصوت الداخلي الذي ظل يرافقه في مسيرته الفنية، كنداء أصيل لا ينضب.
- البدايات الفنية: من الطفولة إلى الاحتراف
تعود البدايات الفنية لعبد الحميد خمو إلى مرحلة مبكرة من الطفولة، حيث بدأ يخط أولى ملامح مشروعه الإبداعي منذ سن الخامسة، في زمن لم تكن فيه الوسائط التكنولوجية متوفرة على نطاق واسع، بل كانت الذائقة الفنية تُصاغ من خلال المحيط الأسري، الراديو، والأسواق الشعبية. في تلك السنوات الأولى، كان الطفل خمو يُنصت بانبهار إلى أصوات كبار الفنانين، خصوصًا الرايس بوموان، أحد أعلام الأغنية الأمازيغية، والذي ترك أثرًا كبيرًا في وجدانه ووعيه الموسيقي الناشئ. لم تكن هذه التأثيرات محصورة في المجال الأمازيغي فقط، بل انفتحت ذائقته أيضًا على مقامات التلاوة القرآنية، خاصة عبر صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، الذي كان يمثل بالنسبة له نموذجًا للخشوع الصوتي والجمالية المشرقية، وعلى العمق العاطفي واللحن المعقد في أغاني كوكب الشرق، أم كلثوم، ما منحه منذ صغره قدرة فطرية على التمييز بين الألوان الصوتية وتعدد أنماط التعبير الغنائي.
في سن الثامنة، اقترن هذا الوعي المتنامي بأول مبادرة فردية شكلت منعطفًا في مسيرته الفنية: اقتناء أول شريط غنائي أصلي للفنان الكبير محمد رويشة، تحت عنوان(انمون إساغد يوسى)، وذلك سنة 1982، في وقت كانت فيه أشرطة الكاسيت نادرة وذات حمولة رمزية وثقافية كبيرة. لقد مثّل رويشة آنذاك نموذجًا للفنان المتجذر في هويته، والذي يجمع بين الأصالة والابتكار، الأمر الذي جعل خمو يقتفي أثره في رحلته الإبداعية اللاحقة.
لم تتأخر أول تجربة أدائية له أمام الجمهور، فكانت وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، حين صعد إلى منصة محلية ليؤدي أغنية (ما يغفي يالان قبل اد افغ الروح…)، وهي من الأغاني التي تتميز بنبرة وجدانية وشحنة عاطفية قوية، إلى جانب إنشاده لقصيدة دينية بعنوان “سيدي ربي جود غيفي”، ما يعكس منذ تلك المرحلة الأولى توازنًا دقيقًا بين الحس الديني والتعبير الفني، بين العاطفة الروحية والنبض الجمالي.
ويُعزى جزء كبير من هذا التوازن إلى والده، الذي لم يكن فقط مصدر دعم معنوي، بل كان أيضًا مرشدًا تربويًا وجماليًا، إذ وصفه الفنان لاحقًا بأنه “كان مولعًا بالطرب الأصيل”، وقد ساعده على إدراك قيمة الجمع بين الفن والدين والدراسة، وهي معادلة نادرًا ما تتحقق في بيئات تقليدية قد تنظر للفن بنظرة ارتيابية. لقد كان الأب، في هذا السياق، حاضنًا للموهبة ومؤمنًا بأن الفن يمكن أن يكون امتدادًا للقيم النبيلة، لا قطيعة معها. كما تلقى عبد الحميد خمو أولى دروسه الموسيقية بشكل منهجي على يد الأستاذة “أم عهد”، التي تعتبر إحدى الشخصيات التعليمية المؤثرة في مسيرته، ليس فقط من حيث التكوين الصوتي، بل أيضًا في ترسيخ المبادئ الأكاديمية لفهم الإيقاع، المقام، وتقنيات الأداء. ويؤكد خمو أن عائلته كانت، قبل المعهد أو خشبة المسرح، “أول مدرسة أكاديمية له”، حيث كان الفن يُتَعلَّم بالتلقين، الاستماع، والتجريب داخل محيط يعج بالحكايات والأغاني والأهازيج الشعبية، في انسجام تام مع الحس الجماعي للأمازيغ الذين يعتبرون الفن تعبيرًا أصيلًا عن الهوية والوجود. بهذه الخلفية الثرية، تشكلت شخصية عبد الحميد خمو الفنية منذ سن مبكرة، وبدأت تتبلور رؤيته الجمالية التي تجمع بين الجذور الأمازيغية والانفتاح على التجارب الموسيقية العربية والكونية. إن بداياته ليست مجرد ذكريات طفولة، بل تمثل الأسس التي بُني عليها مشروعه الفني المتفرد، والذي سيأخذ لاحقًا بعدًا أكثر نضجًا واحترافًا.
- المشاركات والتكريمات: من صوت الجبل إلى منصات الاعتراف
تُعد المشاركات والتكريمات التي حظي بها الفنان عبد الحميد خمو دليلاً ملموسًا على حضوره المتنامي في المشهد الثقافي والفني المغربي، واعترافًا رسميًا وشعبيًا بقيمة مشروعه الفني الأمازيغي الذي يمزج بين الأصالة والوعي الجمالي المعاصر. فقد تنقل خمو بين عدد من المنصات الإعلامية الوطنية والجهوية، ناقلاً صوته وصوت ثقافته من قلب الجبل إلى أسماع جمهور واسع، ومُساهمًا في إعادة الاعتبار للغناء الأمازيغي كرافد أساسي من روافد الهوية الثقافية المغربية.
شارك خمو في برامج القناة الأمازيغية (Tamazight TV)، حيث عبّر عن رؤيته الفنية الملتزمة، كما كانت له إطلالات مميزة عبر إذاعة أصوات وعدد من الإذاعات الجهوية مثل مكناس وفاس وخنيفرة، مؤكداً عبرها على أهمية الإعلام في إيصال صوت الفن الأمازيغي إلى جمهور متعدد الهويات واللهجات. هذه المشاركات الإعلامية لم تكن مجرد حضور عابر، بل شكلت فضاءً تواصليًا لطرح قضايا جوهرية، منها: أصالة التراث، مكانة اللغة الأمازيغية في الفن، ودور الفنان في الدفاع عن الذاكرة الجمعية.
وقد تُوّج هذا المسار بجملة من التكريمات المرموقة التي تعكس الاعتراف المؤسساتي والرمزي بمشروعه الفني، من أبرزها:
- جائزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2010، والتي تُعد من أرفع الجوائز المخصصة للمبدعين في مجال الثقافة والفنون الأمازيغية، وتُمنح للفنانين الذين يبرهنون على التزام جمالي وفكري تجاه الهوية الأمازيغية. وقد كان هذا التكريم لحظة فارقة في مسيرة خمو، إذ وصفه بـ”تتويج لمسار من الصمت، والعمل، والإيمان بالرسالة”.
- جائزة راديو فزاز سنة 2014، اعترافًا بجودة أعماله الفنية وبالرسالة الاجتماعية والإنسانية التي تحملها أغانيه، خاصة في ما يتعلق بالقضايا اليومية للإنسان الأمازيغي: الأرض، الكرامة، اللغة، والحب النبيل.
- تكريم خاص على قناة تمازيغت سنة 2022، ضمن حلقة وثائقية سلطت الضوء على مسيرته الفنية، وأبرزت خصوصيات مشروعه الغنائي القائم على دمج البعد الهوياتي بالبعد الأكاديمي الموسيقي، كما تناولت هذه الحلقة شهادات لعدد من النقاد والفنانين الذين وصفوه بـ”الصوت الصادق القادم من عمق الأطلس”.
إن هذه التكريمات لا تُمثل مجرد اعتراف شكلي أو احتفالي، بل تعكس تحولًا في الوعي المؤسسي المغربي تجاه الثقافة الأمازيغية، حيث يُنظر إلى الفنانين مثل خمو ليس فقط كمطربين، بل كـ”حراس للذاكرة” و”صناع للمعنى” في زمن العولمة والانفصال عن الجذور.
- الفن والهوية: رسالة إنسانية
لا ينظر عبد الحميد خمو إلى الفن الأمازيغي كأداة ترفيهية عابرة، بل يضفي عليه طابعًا رساليًا عميقًا يتجاوز الوظيفة الجمالية ليصل إلى أبعاد روحية وثقافية وإنسانية. فبالنسبة له، الفن هو “رسالة، إرشاد، علاج، وموعظة”، أي أنه ممارسة مسؤولة تتداخل فيها الأبعاد التربوية والوجودية. في هذا السياق، يشبه الفنان بـ”طبيب الروح”، في دلالة على دوره في مداواة الجراح الرمزية للإنسان المعاصر، ونقل الحكم والخبرات بأساليب إبداعية تخاطب الوجدان وتُحرّك الوعي الجمعي.
ويؤكد خمو أن “الفن تكليف رباني”، أي أن الإبداع ليس امتيازًا للهوى الشخصي، بل مسؤولية تتطلب صفاءً أخلاقيًا وموقفًا واضحًا من قضايا المجتمع والهوية. لذا فهو يرفض بشكل قاطع أن يتحول الفن إلى “لهو أو إغراء أو عبث”، في موقف صارم من تسليع الجسد أو تسطيح الخطاب الثقافي، وهي ممارسات رائجة في أنماط فنية تجارية منفصلة عن الجذور.وفي إطار الدفاع عن الهوية الأمازيغية، يعبّر خمو عن رؤية متزنة تقوم على “الانفتاح بعد الاحتفاظ بـ(نحن)”، أي أن الانخراط في العالم لا يكون على حساب الذات. فهو يدعو إلى التفاعل مع الثقافات الأخرى، ولكن دون ذوبان أو انصهار يفقد الثقافة الأمازيغية ملامحها الخاصة. وهذا التوازن بين الأصالة والانفتاح هو جوهر نظرته للهوية، باعتبارها طاقة حية تتغذى من الجذور دون أن تنغلق على ذاتها.إن تجربة خمو تُعيد للفن الأمازيغي قيمته الرمزية باعتباره حاملاً للذاكرة الجماعية، ووسيلة لبناء الذات الجماعية في ظل عالم يفرض الهيمنة الرمزية والاقتصادية. فهو يربط بين الإبداع والمقاومة الثقافية، ويجعل من الفن وسيلة للتمكين لا للتشييء، وللإحياء لا للتمويه.
يرى الفنان الأمازيغي عبد الحميد خمو أن الفن ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو رسالة إنسانية سامية تتجاوز حدود المتعة إلى مجالات الإرشاد، العلاج، والموعظة. يعتبر أن الفنان الحقيقي هو “طبيب الروح”، يحمل على عاتقه مسؤولية توجيه المجتمع نحو القيم النبيلة، بعيدًا عن النزوات والإغراءات الجسدية. ويؤكد أن “الفن تكليف رباني وليس لهوا ولا إغراء ولا عبث”، مما يعكس رؤيته العميقة لدور الفن في الحياة الإنسانية.
في هذا السياق، يشدد خمو على أهمية الحفاظ على الهوية الأمازيغية، معتبرًا أنها جوهر الوجود الثقافي والروحي للشعب الأمازيغي. ويدعو إلى “الانفتاح بعد الاحتفاظ بـ(نحن) حتى نتفادى الذوبان في معتقد الآخر”، مما يعكس توازنًا بين التمسك بالهوية والانفتاح على الثقافات الأخرى. هذا التوجه يتماشى مع الجهود المبذولة في الحفاظ على التراث الأمازيغي، كما هو موثق في المخطوطات الأمازيغية بمكتبة جامعة ليدن، والتي تسلط الضوء على أهمية الوعظ والإرشاد الديني في الثقافة الأمازيغية .
من خلال أعماله الفنية، يسعى خمو إلى تجسيد هذه القيم، مستخدمًا الرموز والتراث الأمازيغي كوسائل للتعبير عن الهوية والروح الأمازيغية. يرى أن الفن الأمازيغي يجب أن يكون وسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية، وفي نفس الوقت، أداة للتواصل مع العالم، مما يعكس رؤيته للفن كجسر بين الأصالة والانفتاح.
- رسالة للأجيال القادمة: الأصالة كمنطلق نحو الإبداع
يُختتم مسار عبد الحميد خمو الفني برسالة عميقة موجهة إلى الأجيال القادمة، تختزل فلسفته الفنية والإنسانية:
“الأصالة أمانة في أعناقكم… ابحثوا عن حسكم الفني الشخصي، ولا تستسلموا لأي غزو فكري… نريد الأصل ثم الأصل ولا شيء سوى الأصل”.
هذه العبارة، وإن بدت خطابًا وجدانيًا، فهي تحمل بُعدًا فلسفيًا وسوسيولوجيًا عميقًا، يتجاوز مجرد التمسك بالتراث إلى بلورة موقف إبداعي واعٍ ينبني على الهوية الثقافية كقوة تأسيسية للذات المبدعة. فالفن، من منظور خمو، ليس فعلاً ترفيهيًا أو استهلاكيًا، بل فعل مقاومة، وإنتاج للمعنى، وتجديد متجذر في الأصل.
- بين الأصالة والانفتاح: جدلية الهوية الثقافية
ينبه خمو إلى ضرورة “الاحتفاظ بـ(نحن)” قبل التفكير في الانفتاح، كإشارة إلى أن فقدان الذات الجماعية يؤدي إلى الذوبان في الآخر، بما يعنيه ذلك من استلاب ثقافي وهوياتي. وهذا الطرح يُحيلنا إلى نظرية المفكر إدوارد سعيد حول «المثقف والهوية»، حيث يؤكد أن المثقف الحقيقي هو الذي يقف في موقع نقدي من الهيمنة الثقافية، ويدافع عن صوته الخاص، دون الانغلاق أو التبعية¹.
في السياق الأمازيغي، تطرح الهوية كمعطى حي يتجدد بفعل المقاومة الثقافية. ويرى الباحث عبد الله أيت تالفات أن “الفن الأمازيغي هو مقاومة ناعمة لاستمرار الكينونة، وذاكرة جماعية تتحول إلى أداة للتأريخ والتأثير”². من هذا المنطلق، تندرج رسالة خمو ضمن هذا النمط من المقاومة الرمزية.
مقارنة مع تجارب فنية أمازيغية أخرى
نجد صدى هذا الخطاب في تجارب أمازيغية أخرى كالفنان الرايس سعيد أشتوك، الذي كان يرى في الأغنية الأمازيغية وسيلة لتلقين القيم وتوثيق الذاكرة القروية³. كما يتقاطع خطاب خمو مع طرح الرايسة فاطمة تبعمرانت، التي لطالما اعتبرت أن الفن الأمازيغي هو “لسان حال المهمشين وصوت الهوية المقموعة”⁴.لكن ما يميز خمو هو دعوته إلى “الحس الفني الشخصي”، وهو ما يمكن ربطه بمفهوم “الذات الإبداعية” كما عند بيير بورديو، الذي يرى أن الفنان الحقيقي يُنتج ذوقه الجمالي انطلاقًا من رصيده الرمزي والمعرفي وليس من إملاءات السوق أو الأيديولوجيا⁵.
- الفنان كفاعل اجتماعي وروحي
لا يُنظر إلى الفنان عبد الحميد خمو في تجربته الفنية كعازف فقط، بل كفاعل اجتماعي وروحي تتجاوز مهمته حدود الأداء التقني أو الترفيه السمعي، لتتخذ بُعدًا وجوديًا ووظيفيًا داخل المجتمع. ففي تصريحاته وأعماله، يؤكد خمو على أن الفنان الحق هو “طبيب الروح”، أي ذاك الذي يضطلع بدور تطهيري وتواصلي، يُداوي الجراح الرمزية لجماعته، ويمنحهم فسحة تأمل ومصالحة مع الذات والذاكرة.
هذا التصور يتقاطع بشكل وثيق مع التصور الصوفي للفن، الذي يرى في التعبير الفني تجربة روحية سامية، لا تنفصل عن الأخلاق، ولا تُختزل في الإمتاع أو الاستهلاك، بل تتماهى مع مهمة وجودية ذات طابع تكليفي، يكون فيها الفنان وسيطًا بين العالم المادي والعوالم الرمزية والروحية.
من هذا المنظور، تتحول الممارسة الفنية لدى خمو إلى فعل مقاومة ضد موجات التفاهة والابتذال التي طالت الإنتاج الثقافي المعاصر، حيث يُغدو الفن وسيلة لاستعادة القيم الأصيلة من صدق، وارتباط بالأرض، واحترام لذاكرة الأسلاف، في مقابل الانجراف نحو نماذج استهلاكية فارغة المحتوى.
- من الصوت الفردي إلى المشروع الجماعي
إن التجربة الفنية لعبد الحميد خمو تُجسّد مشروعًا متكاملًا يتجاوز التعبير الفردي ليشكل مسارًا جماعيًا في الدفاع عن الذاكرة والهوية الثقافية الأمازيغية. فخمو لا يكتفي باستعادة التراث الشفوي والموسيقي للمجال الأمازيغي، بل يُعيد تأويله، ويضخ فيه نفسًا جديدًا يجعل من لوتار – كآلة ومنظومة تعبيرية – أداة لإعادة التفكير في علاقة الفرد بجماعته، وفي دور الفنان كمثقف عضوي متجذر. لا يدعو خمو إلى استنساخ الماضي، بل إلى استلهامه بوصفه خزانًا طاقيًا وثقافيًا قابلًا للتجدد، ورافعةً لإبداع معاصر يحترم الأصول دون أن يسقط في التكرار أو النمطية. إن صوته، رغم خصوصيته، لا يُمثل ذاتًا معزولة، بل يعبّر عن ذاكرة جماعية، ويُعيد فتح قنوات التواصل بين الأجيال، ويُجسّد نموذجًا للفنان-الفاعل، الذي يرى في الفن رسالة وضرورة، لا مجرد ترفٍ أو زخرفة. بهذا المعنى، يُمكن القول إن خمو يُكرّس تحول الفنان من “مؤدٍّ” إلى “صانع رموز”، ومن “صوت فردي” إلى حامل لمشروع جماعي يتفاعل مع الأسئلة المعاصرة، ويقترح من خلال تراثه رؤية مستقبلية تُزاوج بين الجذور والآفاق.
- فن الوترة في تجليات الإبداع الموسيقي الأمازيغي عبد الحميد خمو
يُعدّ الفنان الأمازيغي عبد الحميد خمو من أبرز الأصوات الموسيقية التي ساهمت في إحياء وتطوير فن “الوتار” بمنطقة الأطلس المتوسط، ليس فقط بوصفه أداءً موسيقيًا تقليديًا، بل كجهاز رمزي معقد يُجسد تمثلات الهوية الأمازيغية ويُعيد إنتاج ذاكرتها الجمعية. فقد استطاع خمو أن يضخ في هذا الفن روحًا معاصرة، من خلال مقاربة موسيقية تعيد تركيب التراث ضمن رؤية جمالية حداثية، تُراعي في آنٍ واحد الطابع الشعري، والوظيفة الاجتماعية، والدلالة الرمزية للآلات والنصوص والأداء.
تشكل تجربة خمو بوابة غنية لتحليل دينامية الثقافة الأمازيغية الموسيقية، باعتبارها مجالًا تقاطعيًا تتداخل فيه سوسيولوجيا الثقافة من خلال فهم موقع الفنان داخل البنية الاجتماعية ودوره في إعادة إنتاج الانتماء الجماعي)، والسيميائيات من خلال تحليل العلامات الصوتية والجسدية المرتبطة بآلة “الوتار” وبالنص الغنائي)، ودراسات الهوية (التي تتيح مساءلة الأبعاد الرمزية والسياسية للخطاب الفني ضمن السياق المغربي المتعدد الهويات.
إن مشروع خمو لا ينحصر في الحفاظ على التراث، بل يتجاوزه إلى تأويله وإعادة توجيهه ضمن سياق ثقافي جديد، يُؤمن بأن الفن وسيلة للمقاومة الثقافية، وإعادة تشكيل الوعي الجمعي، وتثبيت الخصوصية في زمن الهيمنة الرمزية. وبهذا، يُمكن قراءة تجربة عبد الحميد خمو كحالة نموذجية لفنّان تقاطعي، يتحرك بين الماضي والمستقبل، بين الجمالية والتأويل، وبين الفردي والجماعي.
- الأسلوب والتقنيات الفنية
يعتمد الفنان الأمازيغي عبد الحميد خمو أسلوبًا فنيًا يجمع بين التعبير الغنائي التقليدي والتجريب الجمالي المعاصر، في مسار فني يتسم بوعي نقدي تجاه التحولات الثقافية والاجتماعية التي تعيشها المجتمعات الأمازيغية. في ظل هذا التدافع الهوياتي، لا يعرّف خمو نفسه بصرامة ضمن مدرسة فنية واحدة، بقدر ما يعتبر تجربته مفتوحة على التفاعل مع أنماط فنية متعددة، حيث يلتقي التعبير الشفهي الشعبي مع روح الغناء المقاوم، وتتشكل المقاطع الموسيقية لديه على إيقاع “الوترة”، التي لا يستخدمها كمجرد آلة للهو والترفيه ، بل كجسر بين الذات والجماعة، وبين الذاكرة والصوت.
أسلوبه إذًا ليس محصورًا في النزعة التقليدية فقط، بل ينفتح على نَفَس حداثي يجعل من “الوترة” حاملة لرسائل ثقافية ، سياسية وشعرية وشعبية لها مجتمعها المستهدف . وهو أسلوب يؤسس لنوع من “الواقعية الرمزية”، الناقدة والمشرحة للظواهر الاجتماعية ،حيث نلاحظ أن الأغنية الواعية عند الفنان خمُّو تتحول إلى فضاء استرجاع واستنطاق لما هو منسي ومضمر في عمق الطابوهات أو مهمّش في الذاكرة الجمعية الأمازيغية بشمال افريقيا . في هذا السياق، يشير الفنان إلى أنه يستلهم كثيرًا من التجارب الفنية التي جمعت بين الإنشاد والاحتجاج الفني والفكري ، دون أن يغفل البعد الجمالي الذي يجعل الأغنية الأمازيغية هادفة و معاصرة دون أن تفقد هويتها الأصلية .
أما على مستوى المناهج والتقنيات في الأداء الغنائي ، فيُفضّل خمّو الاشتغال على الأداء الصوتي المباشر، المعزز باستخدام تقاسيم آلة الوترة كأداة أساسية للترافع ، مبررًا ذلك بقدرة هذه الآلة على إنتاج طيف سمعي يحمل أصداء البادية والصحراء والجبل، ما يمنح لعمله الفني قوة تعبيرية أصيلة ومتجذرة . إلى جانب ذلك، يوظف الفنان خمّوأدوات بسيطة من المحيط القروي، مثل الدفّ، وأحيانًا صوت الطبيعة وآهات المجتمع (صوت الريح، الجداول، الخطى على التراب…) في خلفياته السمعية، ما يجعل من فنه تجربة صوتية بصرية قائمة على الحضور الجسدي والرمزي في الآن ذاته. ويحرص في أحيان كثيرة على تقديم عروضه بأزياء من التراث الأمازيغي التقليدي، ضمن رؤية مسرحية تغدو فيها الأغنية الأمازيغية مشهديّة وهوية بصرية مادية وأدائية ، أكثر منها مجرد عرض صوتي عابر بلا معنى .
تُشكل الرموز الأمازيغية لبنة أساسية في بناء مضامين وبنية أغاني عبد الحميد خمّو، ليس فقط على مستوى المفردات واللغة التي يوظفها في رسائله ، بل على صعيد التوظيف الدلالي والإيحائي في كل السياقات الممكنة . فهو يدمج مفاهيم متنوعة مثل ” أَزٌّول” (السلام) ، و”تَافٌوكت” (الشمس)، و”أكال” (الأرض)، و “أمَان” (الماء)، و” ثَايرِي” (العشق ) ضمن نسيج شعري يعكس التعلق بالهوية الأمازيغية والطبيعة والانتماء لجغرافيا تامزغا . كما تُستحضر في أغانيه شخوص من الذاكرة الأمازيغية ، كالأم القروية، المقاوم، العاشق التائه، وهو بذلك يعيد صياغة التاريخ “أَمزرُوي “الشفوي في قالب فني معاصر، مع الحفاظ على الدلالات الرمزية العميقة لكل عنصر. لهذا التوظيف أبعاد دلالية متعددة، فهو لا يقتصر على البعد الزخرفي للثقافة الأمازيغية أو لفولكلور سطحي، بل يؤكد ويوثق على أن الأغنية الأمازيغية نتاج أنثروبولوجي للإنسان الأمازيغي وليست مجرد وسيلة ترفيه جامدة ، بل أداة تعبيرية حر للمقاومة الثقافية والاجتماعية ، ووسيلة هامة في نقل المعرفة الجماعية، وترسيخ القيم الانسانية الجمعاء المرتبطة بالأرض، اللغة، والكرامة. وفي هذا السياق، تصبح الرموز الأمازيغية آليات تفكيك وإعادة بناء لصورة حداثية مسايرة لكل تطور معرفي وتكنولوجي ، وليست فقط محاكاة لأمجاد الماضي.
- الأسلوب والتقنيات الفنية: نضال من أجل الأصالة
يُعرّف عبد الحميد خمو تجربته الفنية بأسلوب غير مألوف، إذ لا يصف فنه فقط كمسار تعبيري جمالي، بل كـ”نضال” مستمر ضد ما يعتبره تيارات سلبية تهدد كينونة الفن الأمازيغي الأصيل. هذا التوصيف لا يعكس فقط وعياً بالهوية الجمالية، بل يُظهر كذلك موقفًا وجوديًا من الفن باعتباره رسالة ومسؤولية حضارية. إن عبارته “السباحة ضد أي تيار سلبي قد يدمر الأصالة” ليست مجازًا فقط، بل تعبير عن اختياره الواعي للوقوف في وجه موجات التشويه، الاستهلاك السريع، والتنميط التجاري الذي يطال العديد من الفنون التراثية في زمن العولمة الثقافية.
يرتكز خمو في بنيته الموسيقية على الثنائي الأصيل: آلة “لوتار”، التي تعتبر من أقدم الآلات الوترية في الموسيقى الأمازيغية وتتميز بعمقها الصوتي وقوة دلالتها الرمزية، وإيقاع “البندير”، الذي يمنح للأداء بُعدًا احتفاليًا طقوسيًا يجمع بين البساطة والعمق الإيقاعي. لكن ما يميز فنه أكثر هو أنه لا يكتفي بالاعتماد على هذه العناصر كتراث محفوظ، بل يخضعها لدراسة أكاديمية منهجية مبنية على فهم دقيق للمقامات والقواعد الموسيقية، وهو ما يُخرجه من مجرد التقليد إلى فضاء الإبداع الواعي والواهب لهوية موسيقية معاصرة متجذرة.
في هذا الإطار، يرى خمو أن الفن ليس مجرد ترف أو وسيلة للفرجة، بل يعتبره “تكليفًا من الله”، أي مسؤولية روحية وأخلاقية، تستوجب الالتزام والصدق، وتحذيرًا من الوقوع في ما يسميه “النزوات والإغراءات الجسدية”، في إشارة إلى الطابع الاستهلاكي والمثير الذي أصبح يميز بعض الإنتاجات الفنية المعاصرة. إن رؤيته للفن تنطلق من قناعة روحانية ترى في الفنان حاملًا لرسالة سامية تتطلب النزاهة، الانضباط، والزهد في الشهرة السطحية.من الناحية الرمزية، يحمل خمو مشروعًا فنيًا ثقافيًا يتجاوز البُعد الموسيقي ليُعيد إحياء الرموز والهوية الأمازيغية في بعدها الجمالي والأنطولوجي. ففي أعماله، يحضر الرمز كحامل للذاكرة الجماعية، ويُستدعى التراث بوصفه منظومة قيم ورؤى، كما يظهر جليًا في قصيدته المركبة:
ريغ أدور… ريغ أفلا، أمورينو إيناغ… تمازيغت اسكلو، تمازيغت أم ما تمازيغت أزغران
تُجسّد هذه القصيدة بامتياز انخراطه في مشروع شعري-غنائي هوياتي، حيث تتكرر مفردة_تمازيغت بشكل طقوسي، لتؤكد تمسكه بالانتماء الثقافي، بينما يُزاوج بين المكان (أدور/أفلا) والهوية (أمازيغ/تمازيغت) والحب والحق و (أمور إينو) في شبكة دلالية عميقة تستدعي ذاكرة الأرض، عاطفة اللغة، وأصالة العيش.
إن عبد الحميد خمو لا يقدّم لنا فقط طابقا أو بنية من أغاني تحمل مضامين جميلة ،تربوية توعوية، هوياتية ، بل يقدّم مشروعًا فنيًا شاملًا ومتكامل الاركان في الإبداع والأداء المتناغم ، يُعيد لنا خمو عبره كل الاعتبار الرمزي والمعنوي للموسيقى الأمازيغية بوصفها لغة وخطاب للمقاومة، ووسيلة صريحة لصيانة الذاكرة الجماعية وتثبيت الكينونة الأمازيغية في عالم لا يسمح بالتراجع إلى الخلف لأنه متغير في حركية قصوى . كما يدعو خمو في منجزه الشعري والغنائي الجميل إلى العودة إلى النبع الصافي للهوية الأمازيغية الأصيلة ، بعيدًا عن الزيف والتقليد السطحي ، ليضع بذلك خمو تجربته الفنية في صدارة التيارات الفنية الحداثية التي تؤمن بأن الأصالة مرجع أساسي و ليست جمودًا ، بل حركية وتجريب و بناء عقلاني مستمر على الجذور المتأصلة .
- المضمون والدلالات
تتميز أغاني عبد الحميد خمّو بعمقها الدلالي وتعدد مستويات القراءة التي تتيحها للمتلقي، ولكل مستهلك من جمهوره الواسع ، في هذا المقام ليست مجرد منتوج فني للتسلية العابرة ، بل خطاب شعري له حمولة ثقافية واجتماعية ناقدة ، مشبعة بالإحالات الرمزية والسردية. فمضمون أعماله يُبنى أساسًا على إعادة الاعتبار للمجال الثقافي والهوياتي الأمازيغي كفضاء حي وفاعل، مسكون بالتجارب والآمال والانكسارات. تشكل “الوترة” في هذا السياق وسيلة حفر ونقش ممتد في الذاكرة الجمعية الأمازيغية ، واستعادة للأصوات الصامتة، حيث تتحول الأغنية إلى نص يحمل قلق الهوية، ويجسد مقاومة النسيان.
إن مواضيع أغانيه تتراوح بين الانتماء إلى الأرض والحفاظ على اللغة الأمازيغية ، إلى النقد الاجتماعي والثقافي والسياسي واستحضار الشهداء والمناضلين الأمازيغ، في لغة شاعرية تتوسل الحكي الشعبي والحكمة الأمازيغية الأصيلة. فهو يغني عن المُهجّرين والمَنفِيين في في وعيهم المركب والمستلب والمقهورين بتغير آليات الوجود، عن النسوة المنسيات في القرى بلا تعليم ولا تنمية بشرية ، وعن الطفل الحالم بالحرية والحق في الارتقاء رغم القهر الاجتماعي والطبيعي ، لتصبح الأغنية الأمازيغية لديه بمثابة مرآة تعكس الواقع في مختبر للوعي الجماعي.يرى الفنان خمّو أن الكلمة الموزونة والهادفة في الأغنية الأمازيغية ليست بريئة من المرافعة على الحقوق العضوية والطبيعة للمجتمع الأمازيغي ، فهي مُحمّلة بدلالات ومضامين تتجاوز الظاهر إلى البُعد التأويلي. فمثلاً، حين يغني عن الروح و”ثايري ” ، فهو لا يعني فقط عن الحنين والعشق والسمو بل يشير إلى فقدان الروح الجمعية، وإلى الغربة الوجودية داخل سياق التهميش الثقافي. وحين يستعمل مفردات مثل “أمورإنو”، “ثمزيغث إزغارن” ، فإنه يُحمّلها معنى وجوديًا يتجاوز الحس الظاهري نحو القلق الأنطولوجي حول المصير والأصل الذي ينال منه المحو الثقافي.
أما عن رمزية “الوترة” في أعماله، فهو لا يعتبرها فقط أداة موسيقية تقليدية جبلية تصاحب كل مهموم عابر ، بل هي الحدث والفعل والصوت البديل والمرافع عن كل صوت غائب ومغيب قسرا ، فهذه الآلة الجبلية البسيطة توثق وتحكي لنا ذكرتنا وتاريخنا الجمعي ، تُرنم تارة وتصرخ في كل مكان وزمان ، تعزف لكل الأحزان وتبعث الأمل في المستقبل . لهذا، تُعد آلة الوترة في مشروع عبد الحميد خمو الفني عنصرًا بنيويًا في اللغة الموسيقى التعبيرية، توازي وتضاهي في رمزيتها صوت القصب في الشعر الجاهلي، أو العود في التقاليد المشرقية، لكنها هنا مشبعة بروح أمازيغية أطلسية شامخة ، لا تنفصل عن جغرافيا الجبل في سموه وسمو قدسية الأطلس في الميثولوجيا الأمازيغية ولا عن قصص الجداة في القرى العميقة المنسية. كل ذلك يجعل من تجربة عبد الحميد خمو تجربة سيميائية ودلالية بامتياز، تستحق أن تُقرأ لا فقط كفعل غنائي، بل كمشروع ثقافي مقاوم يمتد في الجغرافيا الأم والتاريخ وفي كل الظواهر الاجتماعية والثقافية والهوية . فالمضمون عنده لا ينفصل عن الشكل، ولا على الصوت ولا ينفصل كذلك عن المعنى الدال المتخم بالرموز والأساطير الأمازيغية ، ما يُحوّل منجزه الغنائي إلى عملية تشريحية نقدية مشحونة بإيحاءات من غمق الهوية الأمازيغية العريقة ، ومشحون كذلك بالحنين إلى “تامازغا” كحلم جماعي في الحرية والكرامة.
- الجمهور والتأثير
يشكّل الجمهور بالنسبة للفنان عبد الحميد خمو الأساس في بناء عمليته الإبداعية الموسيقية ، ولايعتبره فقط المتلقي المستهلك السلبي للعمل الفني الموسيقي الأطلسي ، بل هو شريك في صناعة المعنى ومضمونها الهادف ، وكذلك فاعلًا أساسيًا في استمرار وامتداد المشروع الغنائي الأمازيغي. إذ يدرك الفنان خمّو منذ بداياته المبكرة أن الأغنية الأمازيغية التقليدية، رغم بساطتها الظاهرة، كانت دائمًا تُؤدى أمام جماعة تُحسن الاستماع، وتُجيد التأويل وتفكك شفراتها ، وتُدرك الرسائل ورموزها الضمنية. لهذا، فإن جمهوره ليس جمهور استهلاك بحث ، بل هو جمهور ناقد ، مشارك ، موجه ومتفاعل وجدانيا وفكريا.
في هذا السياق، يؤمن خمو أن الفن لا يُقاس فقط بعدد المستمعين أو عدد “اللّايكَات ” في وسائل التواصل الاجتماعي ، بل بمدى عمق الأثر الذي ينقشه و يتركه في وعي ذاكرتهم الجمعية. لذلك، فالفنان خمو يستهدف بوعي مطلع ، جمهورًا متعدد المستويات والشرائح والاتجاهات : من الجيل القديم الذي يجد في أغانيه استمرارًا لروح “ⵜⴰⵎⴰⵣⵉⵖⵜ” (أمازيغية القلب والهوية)، إلى جيل الشباب الذي يكتشف عبر كلماته وألحانه خيوطًا ضائعة من الانتماء والانبعاث الثقافي.
كما يُسجّل الفنان خمو تفاعلًا متزايدًا من الجالية الأمازيغية المقيمة في الخارج، خصوصًا في أوروبا، حيث تحوّلت أغانيه إلى وسيلة رمزية لربط الأجيال الجديدة بجذورها الأصلية . فصوته عبر الجرجرة الساخنة لنغمات “الوترة” يعبر البحار عبر ذبذباتها المهاجرة في لكل مكان ويُعيد سرد الحكاية من جديد وبطبها بالحاضر والمستقبل ، كما لو أن صدى حفيف الأغنية يحمل معه رائحة جبال الأطلس الخالد ، ونبض الأرض، ولغة الأم المنسية في شوارع وأزقة الغربة والمنفى.لقد استطاعت تجربة خمّو الموسيقية أن تؤثر في الذوق الفني العام داخل الوسط الأمازيغي، حيث أعاد الاعتبار لآلة الوترة كوسيط تعبيري حي وهو بذلك الخلف المبدع والمطور والأمين على استمرارية ما قدمه أسلافه في تجربة “الوترة” ، بعدما كانت توشك على الاختفاء والتلاشي في خضم الزحمة المعرفية والتكنولوجية المعاصرة . وبفضله مع شباب كُثُر ، أصبحت هذه الآلة اليوم تُستعاد وتوظف كثيرا في تجارب شبابية أخرى خارج إطارها الجغرافي والثقافي ، كما باتت الأغنية الأمازيغية الجديدة تستلهم من نصوصه روح الالتزام، والارتباط بقضايا الهوية والكرامة.
يمكن القول أن الفنان خمو لم يني فقط أساس جمهور مستمع، بل صاغ نوعا من الجمهور الواعي، يعيد النظر في تاريخه، ويطرح الأسئلة حول مستقبله، ويُعيد فهم الثقافة الأمازيغية خاصة والمغربية عامة ، باعتبارها مشروعًا للتحرر والتجذر والإبداع والفكر . ولهذا، فإن أثره يتجاوز الفن البسطي العابر ليُلامس الجانب التربوي، الثقافي، الاجتماعي والسياسي، في آنٍ معًا.
- الجمهور والتحديات: بين القروي والحضري
يولي الفنان عبد الحميد خمو أهمية كبيرة لطبيعة الجمهور الذي يخاطبه، ويدرك أن العلاقة بين الفنان وجمهوره ليست علاقة تبعية عمياء، بل تفاعل دينامي وواعٍ. ففي تصريحاته، يُعرب عن محبته العميقة للجمهور القروي، واصفًا إياه بـ”البداية”، لأنه يمثل الجذر الأول الذي تفتّح فيه وعيه الفني، وتكوّن فيه الذوق الموسيقي الأصيل غير الملوث بالأنماط التجارية السائدة. أما الجمهور الحضري، فهو في نظره “المساند”، لأنه يشكل فضاءً للتوسع والانفتاح والاعتراف الفني، ويمنحه فرصًا للتطور المهني والمشاركة في الفضاء العام للثقافة.
ويُحذر خمو من الوقوع في فخ إرضاء الجمهور على حساب الهوية الفنية، معتبرًا أن العبارة الشائعة “الجمهور هادشي لي بغا” تمثل فخًّا قد يؤدي إلى الابتذال والسطحية. ويؤكد أن “الفنان المبدع يصادق نفسه أولًا”، أي أنه يتوجّب على الفنان أن يكون أمينًا مع رؤيته وقيمه الفنية قبل أن يسعى وراء التصفيق والانتشار السهل. فالإبداع الأصيل لا يُقاس بعدد المعجبين، بل بعمق الأثر وصدق الرسالة.ويضيف أن القاعدة الجماهيرية الحقيقية لا تُبنى في لحظة، بل “تتوسع وتتجذر كلما استمر الفنان في تقديم أعمال صادقة وجريئة”، تراعي الأصول الثقافية وتُجدد الأشكال التعبيرية دون خيانة الجوهر. فالفنان في رأيه ليس مروجًا لسلعة، بل حامل رسالة، وكل عمل فني يمثل جسرا بين الذات والجماعة، بين الماضي والآتي، بين الجذور والأفق.
- الالتزام والرؤية المستقبلية
يُعرف عن الفنان عبد الحميد خمو التزامه العميق بقضايا الهوية والثقافة الأمازيغية، ليس بوصفها فقط مرجعية فنية، بل باعتبارها مشروعًا حضاريًا يندمج فيه الفن الموسيقي الأمازيغي مع التربية والنضال الثقافي. فبالنسبة له، لا تنفصل الأغنية عن الرسالة الإنسانية وقيمها النبيلة ، ولا تُختزل الوترة في مجرد آلة موسيقية هامشية ، بل تتحول إلى صوت جمعيّ يعبّر عن الكينونة الأمازيغية ويُجدد سؤال الانتماء في كل أداء إبداعي . يؤمن خمو أن الفنان الأمازيغي لا يمكنه أن يكون محايدًا في قضايا اللغة، الأرض ،الهوية ، والذاكرة الامازيغية ، لذلك فإن أغلب أعماله محمولة على وعيٍ حاد بضرورة صيانة الإرث الرمزي من المحو والتهميش والدفاع عنه والارتقاء به الى العِلمِيّة والموضوعية ، سواء من قبل السلطة الثقافية الرسمية الوصية على القطاع أو عبر التسويق الجيد وهيمنة السوق التجارية الاستهلاكية. فهو يرفض تحويل الأغنية الأمازيغية إلى منتج فني سطحي، ويدعو إلى ترسيخ ذوقٍ نقدي يميز بين الفن الأصيل والمبتذل.
ومن هذا المنطلق، يخطط الفنان خمو لتوثيق تجربته الفنية توثيقا علميا ، التي لا تقتصر فقط على التسجيلات السمعية البصرية ، بل عليها أن تنتقل أيضًا إلى المشاريع التربوية لإحاطة الناشئة بالموسيقى الامازيغية كإرث مشترك وكذلك القيام بمبادرات تكوينية ميدانية مؤطرة ، خاصة في المناطق الجبلية المهمشة والمبعدة من البنيات التحتية في هذا المجال . فقد عبّر في أكثر من مناسبة عن رغبته في فتح ورشات لتعليم آلة الوترة للشباب، وتلقينهم مبادئ الغناء التقليدي الأمازيغي المرتبط بالشعر والسرد والأداء .أما عن رؤيته للمستقبل، فيعتبر الفنان خمو أن الأغنية الأمازيغية اليوم أمام مفترق طرق صعب : إما أن تنساق وراء التبسيط التجاري من أجل الاستهلاك البسيط ، أو أن تنبعث من جديد عبر إنتاج فني مثقف، واعي ، ومؤطر بتجارب وخبرات علمية ، عارف بالتراث الأمازيغي ، ومتفاعل مع تحولات الواقع. ولهذا، فهو يدعو إلى تأسيس معاهد فنية أمازيغية مستقلة تُعنى بالتكوين والتوثيق والبحث، بعيدًا عن النظرة الفلكلورية التي تختزل الفن الأمازيغي في الحنين.
وفي ختام حديثه، يؤكد خمو أن مساره الفني ليس فقط رحلة ذاتية، بل هي جزء من المقاومة الناعمة ضد النسيان والتهميش ، ومساهمة فنية في مشروع نهضوي أمازيغي يربط بين الجذور والآفاق.
- تأثير الجيل الأول من فناني الوترة على الجيل الثاني:
- من البصمة الموسيقية إلى الوعي الثقافي
لقد شكل الجيل الأول من فناني الوترة بالمغرب، وعلى رأسهم محمد رويشة، محمد مغني، حمو أوليازيد، اليوسفي بنموحا، بوزكري، والفنان الكاس…، نواة تأسيسية لمدرسة فنية متكاملة جمعت بين الأصالة الموسيقية والالتزام الثقافي الموضوعي . لم يكن حضور هؤلاء الفنانين عابرًا، بل مثّلوا في الذاكرة الجمعية أيقونات رمزية تلهم كل من تولى الشعلة من خلفهم لانهم كانوا بالفعل من الطليعة المؤسسة للوعي الموسيقي الأمازيغي الحديث، حيث استطاعوا أن يجعلوا من آلة الوترة لسانًا ناطقًا بالشجن، بالحكمة، وبالهوية.
فمحمد رويشة، بأسلوبه التجديدي وتقنياته العالية في العزف، نقل الوترة من الفضاء الشعبي إلى فضاء الاحتراف الفني، وفتح أمامها آفاقًا للتطور، مستندًا إلى ذكاء فطري موسيقي ووعي مبكر بأهمية الجمالية الصوتية. أما محمد مغني، فتميز بتجذره في التقاليد الصوتية القديمة، وبنبرته الصوفية التي أضفت على الأغنية الأمازيغية طابعًا روحانيًا خاصًا. ومن جهته، ساهم حمو أوليازيد في دمج البعد القصصي والأسطوري في الغناء الأمازيغي، مما جعل من الوترة أداة سردية للثقافة الشفهية.هؤلاء الرواد لم ينقلوا فقط تقنيات العزف، بل رسخوا قيمة الالتزام الفني والهوية الجماعية، فكان لهم تأثير حاسم على الجيل الثاني من الفنانين، وخاصة الفنان عبد الحميد خمو، الذي يمكن اعتباره امتدادًا نوعيًا ومثقفًا لهذا الإرث الموسيقي . فخمو لم يتوقف عند حدود المحاكاة التقليدية لسلفه ، بل عمل على تفكيك أساليب الجيل السابق وإعادة تركيبها في إطار معاصر، يجمع بين الإبداع الفني الأمازيغي والوعي الموضوعي بالمسألة الثقافية الأمازيغية.
عبد الحميد خمو، واحد من أكثر الأصوات نضجًا وعمقًا في ساحة فن الوترة اليوم، يتميز بثقافته العالية، وتفكيره التحليلي والتوجيهي في قضايا الهوية الأمازيغية والتهميش الفني، إذ يتعامل مع الوترة كرمز للذاكرة الجماعية الأمازيغية وللتاريخ وللاستمرارية في إنتاج الفكر والمعنى ومساءلة الوجود الممتد لتاريخ وحضارة الأمازيغ ، حيث نجده يمزج في أدائه بين التراث والشعر والسرد ، بين المقامات التقليدية والأساليب الحداثية ، دائم في التجريب والبحث ، دون أن يفقد جوهر الأصالة التي تمتاز بها الأغنية الأمازيغية . ولا شك أن الجيل الجديد من الشباب المتعاطين للغناء الأمازيغي، والمتأثرين بخمو ومن سبقوه، يعيشون اليوم مرحلة دقيقة تتطلب الانتقال من التكرار إلى التجديد في بنية الأغنية والشعر والأداء الأمازيغي المتميز بهوية بصرية وجمالية خاصة ، ومن وَصم الفَلكلَرة إلى إنتاج المضمون والمعنى. وهنا يكمن دور الفنان خمو كمثقف عضوي وفنان ملتزم، يربط الماضي بالمستقبل عبر بوابة الوترة المُعقلنَة ، فينقل رسائل التراث الأمازيغي القديم برؤية معاصرة تتقاطع مع باقي الحضارات والثقافات الانسانية .
- روّاد فن الوترة وأثرهم في فن عبد الحميد خمو
يُعتبر فن الوترة أحد أبرز التعبيرات الموسيقية الأمازيغية الشائعة في المغرب وبالأطلس المتوسط خاصة ، وقد ساهم كما ذكرنا سابقا عدد كبير من الروّاد في ترسيخ هذا الفن وتطويره، مما أثرى الساحة الموسيقية و الفنية الأمازيغية وألهم جميع شرائح كل الأجيال.
حمو أوليازيد واليوسفي بنموحا كان لهما دور بارز في الحفاظ على تقاليد فن الوترة، حيث قدما أعمالًا تعكس الحياة اليومية والثقافة المحلية، مما ساعد في نقل هذا التراث إلى الجيل الجديد.
محمد رويشة يُعد من أبرز هؤلاء الروّاد، حيث نقل النوطة والتقاسيم الموسيقية إلى الاغنية الأمازيغية عبر آلة الوترة، وابتكر أساليب عزف جديدة جعلت من هذه الآلة رمزًا للهوية الثقافية الأمازيغية.
محمد مغني ساهم في إثراء فن الوترة من خلال أعماله التي عكست التراث الأمازيغي الأصيل، مما جعله صوتا صوفيا ومصدر إلهام للفنانين الشباب.
من بين الفنانين الذين تأثروا بهؤلاء الروّاد، يبرز عبد الحميد خمو كأحد أبرز ممثلي الجيل الثاني . حيث استكشفنا من خلال الحوار أن الفنان خمو يتميز بثقافته الواسعة ووعيه العميق بأهمية الحفاظ على التراث الأمازيغي وبالتواصل السلس، وقد عمل على تطوير فن الوترة من خلال دمجه بين الأصالة الامازيغية وانفتاحه على تجارب غربية ،مشرقية وعلى الحداثة، مما جعله نموذجًا للفنان الملتزم بقضايا الهوية والثقافة الأم .
- تأثير الرواد: من رويشة إلى خمو
لم يكن مسار عبد الحميد خمو في عالم الموسيقى الأمازيغية منعزلاً عن التراكم التاريخي والإبداعي الذي سبقه، بل انبثق من تربة غنية أنبتها جيل من الرواد المؤسسين لفن “الوترة” الأمازيغي، الذين لم يكتفوا بالحفاظ على هذا التراث بل أعادوا تشكيله على ضوء متغيرات العصر. في مقدمة هؤلاء، يأتي الفنان محمد رويشة، الذي أحدث ثورة حقيقية عندما أضاف الوتر الرابع إلى آلة “لوتار”، فأعاد بذلك رسم حدود الإمكانات الموسيقية لهذه الآلة التقليدية، وجعل منها أداة تعبيرية قادرة على ملامسة أرقى الأحاسيس، من الحزن العميق إلى النشوة الروحية.
ويُعدّ رويشة، بالنسبة لخمو، نقطة تحول رمزية وتقنية في آن، إذ يرى فيه نموذجًا للفنان الذي يجدد من داخل الأصالة، ويوسع إمكانيات التعبير دون المساس بجوهر الهوية. كما لا يخفي خمو إعجابه العميق بالفنان محمد مغني، الذي يصفه بأنه “عاشق لوتار لحد الجنون”، في دلالة على علاقة اندماجية بين الفنان وآلته، حيث تصبح الآلة امتدادًا جسديًا ووجدانيًا لصوت الذات وهويتها العميقة.
أما حمو أوليازيد، فيُمثل بالنسبة له ذاكرة الجبل، وسيمياء الأطلس. كان أحد أيقونات الفن الأمازيغي الذين استطاعوا أن يُجسّدوا ببساطة وغنى موسيقاهم العلاقة الحسية والروحية بالفضاء الطبيعي والإنساني للمجتمع الأمازيغي. من هؤلاء استمد خمو ليس فقط التقنية، بل الأهم، الفلسفة الفنية التي تؤمن بأن “التراث لا يُستهلك بل يُعاد إنتاجه”.
يُلخص خمو هذه العلاقة الجدلية بين التأثر والإبداع بقوله:
“من تأثر بشهرة فنان سيقلده، ومن تأثر بفن فنان سيبدع“،
وهي عبارة تنضح بنقد ضمني للموجات المعاصرة من الفنانين الذين ينقلون القوالب الموسيقية الجاهزة دون وعي بأصولها و بجذورها. بالنسبة للفنان لخمو، فإن الفنان الحقيقي لا يُعيد إنتاج ما سُمع وما أنتج من قبله ، بل يفككه، يعيد تأويله وصياغته في تمظهرات جديدة ، ويُدمجه في رؤيته الخاصة. وهو بذلك يرسم خطًا فاصلًا بين “النسخ بمعنى البلاجيا ” الذي يُسطّح التجربة الفنية ويجمدها ، و”الابتكار” هو البديل الأصح الذي يُعمّق ويثمن التجربة الجيدة.وفي ضوء هذا التأثير المتعدد والمفتوح ، يمكن القول أن الفنان عبد الحميد خمو يُشكّل في هذا الخضم وفي هذا الزخم حلقة واعية بهدفها ومجَددة بالتميز في سلسلة فناني الأطلس، الذين لا يرون في تراثهم كنزا محفوظا فقط ، بل حقلًا تجريبيا مفتوحا على البحث والإبداع والتجديد . لقد أخذ الفنان خمو من كل واحد من هؤلاء الرواد جوهر التجربة الفنية لا شكلها الهلامي ، وحوّل بدقة وبمنهج نقدي هذا التأثر إلى قوة دافعة لإعادة تعريف الفن الأمازيغي المعاصر في بعديه الجمالي والهوياتي.
خاتمة
يُجسد الفنان الأمازيغي عبد الحميد خمو نموذجًا مركزيًا لما يمكن تسميته بـ”الفاعل الثقافي” في السياق الأمازيغي، إذ يتجاوز دوره حدود الأداء الموسيقي العادي ليرتقي إلى حامل مسؤول على تثمين الذاكرة الجماعية المشتركة ، ومُعيد صادق في إنتاج الرموز والهوية الثقافية الأمازيغية في قالب فني ماتع متناغم يجمع بين الأصالة كمرجع موضوعي والابتكار كمنهج لتحقيق آمال وأهداف مستقبلية . من خلال مشروعه الفني الذي يرتكز أساسا على آلة “الوتار”، لأن الفنان عبد الحميد خمو لا يقدم فقط عروضا موسيقية من أجل ذاتها ، بل هي بمثابة آليات ُتفعّل في التواصل الرمزي والاجتماعي التي تُعيد إحياء التصورات والاتجاهات الجماعية المرتبطة بالأرض، واللغة، والتاريخ، والمخيال.ويمثل لنا هذا الحوار معه حول تجربته وبما يحتويه من إشارات سوسيولوجية، وسيميائية، وتاريخية مادة أرشيفية وتحليلية ذات قيمة علمية مزدوجة: أولاً، كوثيقة حية تُمكن من تتبع مسارات وتحولات الفن الأمازيغي المعاصر؛ وثانيًا، كمنطلق بحثي يفتح آفاقًا لدراسات أوسع حول دور الفن في صياغة الهوية الثقافية في السياقات الهامشية والمقاومة.
من هنا، يمكن اعتبار مسار خمو دعوة لإعادة الاعتبار للفن الشعبي بوصفه حقلًا معرفيًا وثقافيًا يساهم في تشكيل وعي الذات وبناء الهوية البصرية والرمزية للقافة الأمازيغية ،لكي لاينحصرالفعل الفني في مجرد ممارسة جمالية معزولة . ويظل فن “الوتار”، كما يتمثله الفنان خمو، شاهدًا حيًا على قدرة الموسيقى على احتضان التاريخ، واستيعاب التحولات، وبناء الجسور بين الماضي والحاضر في مشروع فني ينطلق من المحلي ليُخاطب الكوني.
- مراجع:
- فوكو، ميشال. أركيولوجيا المعرفة، ترجمة سالم يفوت، الدار البيضاء، أفريقيا الشرق، 2005.
- عذري مازغ، “رويشة والفن الأمازيغي”، الحوار المتمدن، العدد 404266، 2013.
- إيبيري، عبد الله، “الهوية الأمازيغية والفنون”، مطبعة النشر الجامعي، فاس، 2015.
- بنسعيد، محمد، “الفن الأمازيغي بين الأصالة والحداثة”، مجلة الثقافة المغربية، العدد 42، 2018.
- حجي، رشيد، “الموسيقى الأمازيغية: الجذور والتطور”، دار النشر العربية، الرباط، 2017.
- 2M.ma لقاءات ومقالات حول مسيرة محمد رويشة وتجديده لآلة لوتار.
- Hespressمقالات تناولت رمزية “لوتار” في الثقافة الأمازيغية وتأثيرها على الجيل الجديد من الفنانين.
- Machahid.info تقارير ثقافية حول أثر الرواد على تجارب فنية معاصرة، من ضمنها عبد الحميد خمو.
- مغرس – أرشيف مقالات عن محمد مغني وعلاقته الرمزية بآلة لوتار.
- صفحة الفنان عبد الحميد خمو الرسمية (Facebook) – تصريحات مباشرة للفنان توضح خلفيات تأثره بالرواد
- سعيد، إدوارد. صور المثقف. ترجمة فواز طرابلسي، دار الآداب، بيروت، 1994، ص 41.
- أيت تالفات، عبد الله. الهوية الأمازيغية في الخطاب الثقافي المغربي المعاصر. منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، 2012، ص 129.
- بوشطاط، حسن. الرايس سعيد أشتوك: حكاية شعرية من الجنوب المغربي. مجلة أنفاس، العدد 22، 2017، ص 87.
- تبعمرانت، فاطمة. شهادات في الفن الأمازيغي. ندوة فنية، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أكادير، 2015.
- المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (IRCAM)، “تقرير الثقافة والفنون الأمازيغية”، الرباط،
- المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية – أرشيف الجوائز (2010).
- إذاعة راديو فزاز – نشرات تكريم الفنانين الأمازيغ (2014).
- القناة الأمازيغية – حلقة توثيقية حول مسيرة عبد الحميد خمو (2022).
- مقابلات صحفية وإذاعية منشورة على صفحات الفنان ومواقع مغربية ثقافية.
- مؤسسات ثقافية جهوية – برامج تكريم وترويج للفن الأمازيغي.
- “محمد مغني”، ويكيبيديا. Wikipédia
- “الساحة الفنية تودع رفيق محمد رويشة، ضابط الإيقاع الكبير مولود حموشي بن موحى”، جديد أنفو، 2018. jadidinfo.com
———————————————————————————
Nora, Pierre. Les lieux de mémoire, Paris, Gallimard, 1997–1
Barthes, Roland. Mythologies, Paris, Seuil, 1957.-2
Homi Bhabha. The Location of Culture, Routledge, 1994.-3
Habermas, Jürgen. Théorie de l’agir communicationnel, Fayard, 1987-4
ahewar.org.-5
ahewar.org.2M.maمغرس+1Hespress+1Hespress+2machahid.info+2Facebook+2-6
Bourdieu, Pierre. La Distinction: Critique sociale du jugement. Éditions de Minuit, Paris, 1979, p. 312.-7

