رغم عملية الترميم الجارية: “جامع الأنور” أول مسجد بفاس يدخل مزبلة التاريخ أمام أعين السلطات 

يعود تاريخ بناء مسجد الأنور، ( نسبة إلى إدريس الأول الذي سمي بالأنور، دفين حاضرة فاس، ويسمى مسجد النوار، ومسجد الأنوار، ومسجد الأشياخ( وهذا هو اسمه الأول)، وكان يسمى إدريس الأول بالأزهر دفين مدينة مولاي إدريس زرهون) إلى المرحلة التأسيسية لفاس، حين كانت المدينة تُبنى لبنةً لبنة لتكون مركزًا علميًا ودينيًا وحضاريًا، وكان هذا المسجد بمثابة النواة الأولى للعبادة وخطبة الجمعة والتعليم قبل أن يظهر جامع القرويين الذي سيحتل لاحقًا الصدارة في المشهد الروحي والعلمي للمغرب والعالم الإسلامي، تحمل تسمية “الأنور” دلالةً رمزية عميقة، فهي تشير إلى النور الإلهي والهداية، مما يعكس البعد الروحي الذي أراده المؤسسون الأوائل لهذا المكان ، بني المسجد من طرف إدريس الأول مؤسس الدولة الإدريسية سنة 172 هجرية بعد وضع أول نواة لبناء المدينة في هذا الموضع،، ويرجع سبب التسمية إلى شيوخ القبائل الأمازيغية التي بايعت إدريس الأول بالإمارة وعلى رأسها قبيلة أوربة وزناتة وزواغة وغيرهم، وذلك رغبة منه بإبعادهم عن وليلي مقر حكمه الأول لتوجسه من الانقلاب عليه وعزله عن الزعامة والإمارة، كانت الرغبة في البحث عن موضع ملائم لبناء مدينة جديدة تكون عاصمة لملكه من الأسباب التي عجلت بالانتقال إلى هذا المكان وتأسيس نواة مدينة ظلت عبارة عن قرية صغيرة لما يقرب من العشرين سنة فيما فضل هو البقاء في وليلي، بعد أن وطن فيها بعض شيوخ القبائل الأمازيغية وعائلاتهم وأتباعهم وبنى لهم بعض المرافق ضمنها مسجد الاشياخ، وعقب وفاته وتولية ابنه ادريس الثاني الحكم، سيعمل هذا الأخير على توسيع المدينة ببناء الضفة اليسرى التي ستحمل إسم عدوة القيروانيين والتي اطلق عليها اسم”القرويين ” لاحقا  نسبة إلى عائلات عديدة قدمت على ادريس الثاني من مدينة القيروان “بإفريقية” تونس الحالية على إثر فشل ثورة شاركوا فيها هناك، فيما سيكون من نصيب العدوة الأولى قدوم عائلات أندلسية فارة من مطاردة الأمير الحكم بن هشام بعد فشل ثورة الربض بقرطبة، وستحمل هذه العدوة إسم عدوة الأندلس نسبة لهؤلاء، كان هؤلاء المهاجرون الوافدون من القيروان ومن الأندلس أصحاب خبرة في مجالات الصناعة والتجارة والعلوم والفنون، فأفادوا بخبراتهم الحضارية التي امتزجت مع خبرات الأمازيغ والعرب واليهود والفرس الذين كانوا مستقرين قبلهم في المدينة ،في بناء صرح حضارة فاس والمغرب قاطبة  أما فيما يخص صراع إدريس الأول والثاني مع شيوخ القبائل الأمازيغية، فكان صراعا على الزعامة والنفوذ والسلطة بعد أن ناصروه في البداية وبايعوه لاعتبارات عديدة منها: نسبه الشريف إلى آل البيت (على بن طالب تحديدا) الذين تعرضوا للمطاردة والتقتيل والقمع والتعذيب والسجن من طرف الأمويين والعباسيين بعدهم، ولم يسلم منهم إلا القليل بعد معركة فخ سنة 169 هجرية ضمنهم إدريس الذي فر إلى الغرب الإسلامي وأخوه يحيى الذي فر إلى أقصى شرق الامبراطورية العباسية، واعتناق إدريس للمذهب الشيعي الزيدي الذي هو أقرب إلى السنة عكس الشيعة الجعفرية، والذي كانت له علاقات طيبة مع أنصار المعتزلة في المغرب وخاصة في أوربة التي كان رئيسها إسحاق بن عبد الحميد الأوربي ثباث العلاقة بين الشيعة الزيدية والمعتزلة منذ القديم ذلك أن زيد بن على الشيعي الذي سمي المذهب باسمه تتلمذ على يد واصل بن عطاء زعيم المعتزلة ،كما أن أحد رفاق إدريس في فراره ورحلته إلى جانب راشد كان شخصا معتزليا من أهل البصرة له معرفة مسبقة بشيخ قبيلة أوربة وهو الذي سهل اللقاء بينهما حسب قول المؤرخ والمفكر الراحل الدكتور عبد الهادي التازي. وعليه فتأسيس الدولة الإدريسية لعبت فيه ظروف سياسية عديدة منها العصبية القبلية البربرية وعلى رأسها أوربة والدعوة العلوية (الشيعة الزيدية) والاعتزالية والنسب الشريف بغاية الاستقلال عن الخلافة العباسية،علما أن المغرب آنذاك كان أرض ثورة وعصيان دائم على سلطات ولاة العباسيين وقبلهم الأمويين ،إضافة إلى كونه كان ملاذا للمغامرين والفارين من الثوار في بقاع عديدة ،وما ساعد على احتضان أورة لادريس هو ان شيخها عبد الحميد الذي كان عارفا بواقع وأحوال المشرق ومتعاطفا مع العلويين. غير أن الدولة العباسية سوف لن تظل مكتوفة الأيدي بل ستسعى بكل السبل لإقبار مشروع استقلا الجزء الغربي من الغرب الإسلامي على يد الادارسة ،وستنجح بالكيد لادريس الأول وتسميمه وقتله،كما ستزرع كيانا مواليا لها في الغرب الإسلامي هو دولة الأغالبة برئاسة ابراهيم بن الاغلب الذي منه كانت تنطلق جميع المؤامرات وتجنيد العملاء ضد زعماء الأدارسة ،مما حذا ببعض شيوخ القبائل الأمازيغية إلى وضع أيديهم في يد الأغالبة الشيء الذي تفطن له إدريس الثاني الذي تمكن من القضاء على مؤامرة إسحاق الأوربي الذي اتهم بالخيانة والعمالة لابراهيم بن الأغلب والتخلص منه بقتله حسب العديد من المصادر والدراسات التاريخية.

إهمال هذا المسجد لسنوات طويلة لا يعني فقط تدهور معلمةٍ عمرانية، بل طمسًا لجذور المدينة الأولى، وانفصالًا عن لحظة التأسيس التي منحت فاس هويتها، من يزور الموقع اليوم ( يقع مسجد الأنور في رحبة الدجاج نهاية عقبة الصفاح، على يسار الطالع طريق إلى سيدي بوجيدة وعلى اليمين طريق لجامع الأندلس وأمام طريق تؤدي إلى باب الخوخة، المسجد موجود خلف الجدار في ساحة رحبة الدجاج، وهو عبارة عن مقبرة للأدارسة) كان يلحظ بوضوحٍ مظاهر الإهمال، تصدّع الجدران، وتآكل السقوف الخشبية، وغياب العناية بالبنية التحتية، فضلاً عن الإهمال البيئي المحيط بالمكان، ولا يقف التدهور عند الجانب المادي، بل يمتد إلى البعد الرمزي؛ فالمسجد شبه غائب عن الذاكرة الثقافية المعاصرة، لا يُذكر في المسارات السياحية، ولا يُدرّس ضمن معالم فاس الكبرى، هذا التهميش المزدوج، المادي والمعنوي، يعكس خللاً عميقًا في سياسة تدبير التراث الديني بالمغرب، خاصة في مدينة كفاس التي تُصنّف ضمن التراث الإنساني العالمي لليونسكو، وتتقاطع في المسؤولية كل من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بصفتها الوصيّة على المساجد، تتحمل مسؤولية مباشرة في صيانة المكان وتفعيل دوره الديني، لكنها لم تُدرج المسجد ضمن برامج الترميم الحديثة التي شملت مؤخرًا عدة مساجد تاريخية، ومعهد الآثار والتراث الثقافي بدوره معنيّ بتوثيق وحماية المعالم التاريخية، وكان عليه أن يدق ناقوس الخطر حول حالة المسجد باعتباره من أوائل المساجد المغربية، والوكالة الحضرية لفاس التي تشرف على تأهيل المدينة العتيقة، مطالبة بدمجه ضمن مشاريع إعادة الإحياء العمراني والروحي، الجماعة الحضرية لفاس تتحمل مسؤولية الإهمال المحلي، لعدم إدراج الموقع في أجندتها الثقافية أو التنموية، ثم ولاية جهة فاس مكناس. تبدو هذه الجهات جميعها “متورطة” فيما يشبه “صمتًا مؤسساتيًا”، جعل المسجد خارج أولويات الترميم والبحث العلمي، في حين تتعرض معالم أقل أهمية لصيانة متكررة.

جريدة المنظار 24 انتقلت صباح اليوم الجمعة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2025 من أجل تصوير مكان المسجد، فوجدت الاشغال جارية من أجل ترميمه واعداة الاعتبار لهذه المعلمة الحضارية التراثية، وكان كاتب هذا المقال قد نشر قبل أكثر من 15 عاما خبرا عن اهمال هذه المعلمة في احدى الجرائد الورقية المغربية، فاستجابت السلطات على الفور من أجل كنس المكان وتنظيفه، وأغلق لأيام من أجل الترميم لكن لاشيء حدث بعد ذلك، ومع نشرنا لخبر إهمال مسجد الأنور والذي صادف عمليات الترميم واعداة التهيئ’ ، نشد على ايادي السلطات المتدخلة، ونأمل أن تستمر العملية، حتى يسترجع هذا المكان مكانته المرموقة في تاريخ مدينة فاس العالمة.

لا يمكن الحديث عن “متعمدٍ واحد” وراء الإتلاف، بل عن منظومة من اللامبالاة والقصور الإداري، فالسياسات الحضرية غالبًا ما تركّز على ما له مردود سياحي مباشر، متناسيةً الرموز التأسيسية التي لا تُدرّ أرباحًا مادية لكنها تحفظ هوية المدينة. كما أنّ بعض مشاريع التهيئة المجاورة قد أسهمت في تشويه البيئة العمرانية حول المسجد، ما زاد من عزلته البصرية والرمزية، رغم هذا الواقع القاتم، تظل إمكانية الإنقاذ قائمة، فقد أثبتت التجارب السابقة أن الإرادة السياسية والثقافية يمكن أن تُعيد الحياة إلى معالم كانت مهددة بالاندثار، والمطلوب اليوم هو مقاربة تشاركية تشمل وزارة الأوقاف، ووزارة الثقافة، والجماعة المحلية، الوكالة الحضرية لفاس، ولاية جهة فاس مكناس، القطاع الخاص…. ومجتمع الباحثين والمهندسين المعماريين، لإعادة الاعتبار لهذا المسجد باعتباره ذاكرة فاس الأولى.

كما يجب أن تُطلق حملات توعية وتوثيق علمي للمكان، وتضمينه في المسارات التراثية والسياحية، ووضع لوحة كبيرة فيها نبذة عن اسم المسجد وتاريخ بنائه، ليعود إلى وظيفته الأصلية، منارة للعبادة والعلم، وشاهدًا على ولادة المدينة التي كانت يومًا “عاصمة النور” في الغرب الإسلامي، إنّ قضية جامع الأنور ليست مسألة ترميم جدران فقط، بل معركة رمزية حول معنى الانتماء والذاكرة، فكلما انهار حجرٌ من جدرانه، انطفأ جزء من “نور” فاس التاريخي، وإنقاذ هذا المسجد هو إنقاذٌ لجوهر المدينة نفسها، وإعادةُ وصلٍ بين ماضيها المجيد وحاضرها المرهق بالإهمال والنسيان.

وفي رواية أخرى يرجع بناء مسجد الأشياخ إلى عام 190 للهجرة، عندما استقام الأمر لإدريس الثاني، وعظم ملكه وكثر جيشه وضاقت بهم أوربة، عزم على الانتقال عنها، فخرج  يتخير البقاع، فوصل على جبل “زالغ” (تعني بالأمازيغية الجدي)، فأعجبه ارتفاعه وطيب تربته واعتدال هوائه، فقرر اختطاط مدينة بسنده مما يلي الجوف، وأمر بالبناء، وبنى جزء من سورها وشرع في بناء المسجد المسور، فهبط السيل من أعلى الجبل دفعة واحدة فهدم ما كان مبنيا وأفسد الزرع والضرع، فأقام الإمام إدريس إلى أن دخل شهر المحرم من مفتتح سنة 191هجرية فخرج يتصيد ويرتاد المواقع، فوصل إلى واد سبو حيث هي حمة خولان ” وهي الحمة المعروفة اليوم بسيدي حرازم” فأعجبه الموضع فعزم على أن يبني به المدينة، وشرع في حفر الأساس وعمل الجير وقطع الخشب، ثم أعمل النظر في الأمر فخاف على الناس الهلكة من واد سبو الذي يحمل المدود العظيمة زمن الشتاء، فرفع يده عنها ورجع إلى مدينة وليلي، وبعث وزيره عمير بن مصعب الأزدي يرتاد له موضعا يبني فيه، فسار عمير في رهط من قومه، فاخترق تلك النواحي حتى وصل إلى فحص سايس، فنزل على عين غزيرة من ماء تطرد في مروج مخضرة*1  فنسبت العين إليه وسميت به إلى اليوم ” وتوجد بسهل زواغة غير بعيدة عن دار الدبيبغ’ فسار عمير حتى وصل إلى العيون التي ينبعث منها النهر، واتبع مجرى النهر حتى وجد خيام يسكنها قبائل من زناتة يعرفون بزواغة وبني يزغتن، وكانوا أهل أهواء مختلفة في عداوة مستمرة، فرجع عمير إلى إدريس وأعلمه بما رأى، فجاء إدريس لينظر إلى البقعة، ثم اشترى منهم الغيضة التي بنى فيها المدينة، بستة آلاف درهم فرضوا بذلك، وكتب العقد بشرائها منهم كاتبه الفقيه عبد الله بن مالك الخزرجي الأنصاري، وشرع في بناء السور وضرب أبنية وقبابه بالموضع المعروف اليوم بجرواوة. ويذكر ليون الأفريقي*3، انه لما تكاثر عدد الأسر والجنود التابعين للمولى إدريس تكاثرا عظيما وتبين له أن دار مقام أبيه لم تعد تكفيه وعزم على أن يغادر الجبل ويؤسس مدينة يستقر فيها وقد جمع لهذه الغاية عددا من المعماريين والمهندسين وفحصوا بدقة كل السهول المجاورة للجبل ونصحوه ببناء المدينة في الموقع الذي بنيت فيه، كانت هناك عيون عديدة ونهر كبير ينبع من سهل لا يبعد كثيرا من تلك العيون، كما كانت هناك غابة كبيرة في الجنوب تنفع المدينة كثيرا وتسد حاجاتها وهذا هو السبب الذي من أجله بنيت على الضفة الشرقية للوادي مدينة صغيرة تضم حوالي ثلاثة آلاف كانون.


وذكر بن الغالب في تاريخه أن الإمام إدريس الأول لما عزم على بناء المدينة مر به شيخ كبير راهب وقد نيف على مئة وخمسين سنة كان مترهبا في صومعة قريبة من تلك الجهة، ولما اخبره إدريس بما عزم عليه من أمر بناء مدينة لسكناه وسكنى أولاده من بعده يعبد فيها الله، ويتلى بها كتابه وتقام بها حدوده، قال الراهب: “أخبرني راهب كان قبلي في هذا الدير توفي منذ مئة سنة أنه وجد في كتاب علمه أنه كان بهذا الموضع مدينة تسمى ساف خربت منذ ألف وسبعمئة سنة، أنه سيجددها رجل من آل بيت النبوة يكون لها شأن عظيم وقدر جسيم” فقال إدريس الثاني : ” الحمد لله أنا من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فكان ذلك مما قوى عزم إدريس على بناء المدينة.

وكان تأسيس الإمام إدريس لمدينة فاس على ما ذكره المؤرخون الذين اعتنوا بتاريخها، عن ابتداء أمرها في يوم الخميس غرة ربيع الأول عام 192هجرية، بعدوة الأندلس وأدار بها السور، وبعدها بسنة أسست عدوة القرويين وذلك غرة ربيع الآخر من سنة 193هجرية. وابتدأ ببناء سور عدوة الأندلس القبلي، فأدار السور على جميعها، وبنى بها الجامع الذي برحبته البئر المعروف بجامع الأشياخ” المسجد الموجود بأعلى عقبة الصفاح برحبة الدجاج عند بداية زنقة سيدي بوجيدة ويعرف بجامع الأنور أو جامع النور” وأقام فيه الخطبة، ولم تزل به طول أيام الادارسة، وأول من نقل الخطبة من مسجد الشرفاء إلى جامع القرويين الأمير حامد بن حمدان الهمداني عامل عبيد الله الشيعي على المغرب، وذلك في سنة 321 هجرية، ونقل الخطبة من مسجد الأشياخ “الأنور” بالعدوة إلى جامع الأندلس، وكان أول خطيب خطب به الفقيه الصالح علي بن محمد الصدفي*2،  وعدد الخطبة بفاس على مقابل الشهور من مذهب الإمام مالك، لأن المشهور عدم تعدد الخطبة في المصر الواحد.


وبهذا الحديث يكون أول مسجد بني بفاس هو جامع الأشياخ، لأن المولى إدريس الثاني كان يجمع فيه أشياخ القبائل للمشاورة والتدارس، وبهذا أطلق عليه جامع الأشياخ، أما جامع الأنور فيرجع تسميته تيمنا ببانيه المولى إدريس بن إدريس، المعروف بإدريس الأنور، وبإدريس الأزهر، وبإدريس صاحب التاج، وبإدريس المثنى، وبإدريس الفاسي، ويعبر عنه بعض من لن يراع كمال الأدب معه بإدريس الأصغر والعذر له أنه لم يرد بذلك تنقيصا وإنما أراد تعريفه وتمييزه عن أبيه إدريس الأكبر. وهو القطب الأشهر مولانا إدريس الأكبر الحجازي المغربي الزرهوني بن القطب مولانا عبد الله الكامل بن القطب الكامل مولانا الحسن المثنى بن أول الأقطاب مولانا الحسن السبط بن الخلفاء، وإمام العلماء والفصحاء، مولانا  علي، وسيدة نساء الدنيا والآخرة، مولاتنا فاطمة الزهراء البتول بنت سيد الكونين وعروس الدارين وشفيع الخلائق أجمعين وممد الأولياء والأنبياء سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ورضي عن جميع آله وأصحابه، وأنصاره وأصهاره، وجميع من انتمى لجناته.
مسجد الأنور اليوم له باب موصدة في وجه الطالع في نهاية عقبة الصفاح حيث رحبة الدجاج، وهي باب حديدية بقفل عادي تتراكم أمام الباب أقفاص الدجاج والباعة والأزبال والروائح الكريهة التي تنفر المرء من الاقتراب من باب الجامع، وله باب من جهة مقبرة الادارسة في اتجاه زنقة سيدي بوجيدة حيث أول باب على يمين المار من هناك، وعندما ندخل نعرج يمينا لنجد بابا بمصراعين من خشب يبلغ طولها حوالي ثلاثة أمتار وعرضها مترين، بدون طلاء أو نقش، عندما ندخل هذه الباب نجد أمامنا باب الجامع التي تفضي إلى رحبة الدجاج، وعلى بعد خطوتين نجد البئر التي كان يتوضأ من مائها المصلين والوافدين على الجامع منذ بداية تأسيسه، وعلى يسارنا نجد بابا صغيرة مقوسة تفضي إلى فناء الجامع ويقع على حوالي عشرة أمتار طولا وأربع أمتار عرضا والظاهر أنه كانت هناك تغيرات كثيرة فيه، دون زخرفة أو نقش أو زليج وحتى خشب السقف يخلو من الزخرفة، ومن وراء المحراب نجد بعض الأشجار ” شجرتين للزيتون وشجرتين للتوت وبعض الشجيرات الطفيلية ” وكثير من الأزبال التي تقذف من خارج السور في اتجاه الجامع حيث تحول المكان إلى خربة تجمع جميع أصناف القاذورات والهوام والحشرات، في وسط الجامع الذي يعتمد على ساريتين كبيرتين، وجدت الكثير من الأزبال ورائحة البول والغائط وجلسات صغيرة للعب الورق أو القمار وكثير من الأحجار والأوساخ، إذ لا بد من الداخل إلى الجامع أن يضع يده على أنفه لأن الرائحة الكريهة ستزكم أنفه. قرب البئر وجدت العديد من المقابر في حالة مزرية إذ لا نظافة ولا حرمة للمقابر، بل أوساخ وغائط وبول وأزبال وقارورات الخمر الفارغة وهلم عدا، ويبدو أن الجامع كانت بدأت به أشغال الترميم من الداخل حيث الحيطان مبلطة، لكنها توقفت، وتم إهمال المسجد من جديد.

هذا هو حال أول مسجد بني بفاس اليوم، وحال أول بقعة مقدسة في المدينة بعدوة الأندلس، حال يستحي المرء من ذكره، إذ من العار أن تنسى هذه البقعة وتترك مرتعا للمنحرفين ومخبأ للجناة ووكا للفساد وخربة مهجورة. كلنا معنيون سلطات ومجالس منتخبة وساكنة ومجتمع مدني ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة الثقافة وكل المتدخلين من خاص وعام، من أجل إنقاذ جامع الأنور من الإهمال الذي حاق به وجعله نسيا منسيا، كما يتوجب إدماجه ضمن المخطط المدار السياحي العام لمدينة فاس، وفتحه للزوار سواء من ساكنة فاس –الذين يجهلون قيمة هذا الجامع الذي أدى وظيفته على أحسن وجه- أو من خارج المدينة من سياح مغاربة وأجانبه والتعريف به أكثر لكي يستعيد بعضا من قدسيته.

أتقدم بخاص الشكر والاعتزاز للأستاذ الباحث في تاريخ مدينة فاس حميد تشيش، على مدي بمعلومات أضافت على المقال لمسة تاريخية كنت أجهلها
ــــــــــــــــــــــــــــــــ      
*1
الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس لمؤلفه علي بن أبي زرع الفاسي/ الطبعة الثانية 1420ه
*2  
نفس المرجع.
*3 
كتاب “وصف إفريقيا” لحسن بن محمد الوزان الفاسي  ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر طبعة1400هجرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى