على حساب العطش.. كيف تضاعفت صادرات “الذهب الأزرق” المغربي إلى كندا 17 مرة؟

هيئة التحرير – المظار 24
في معادلة اقتصادية مثيرة للجدل، حققت صادرات التوت الأزرق المغربي إلى كندا قفزة هائلة بلغت 17 ضعفاً خلال السنوات القليلة الماضية، محولة “الذهب الأزرق” إلى قصة نجاح بارزة في سجل الصادرات الفلاحية المغربية. لكن خلف بريق هذا الإنجاز، تتوارى فاتورة باهظة تُدفع من رصيد المغرب المائي، في وقت تسجل فيه السدود أدنى مستوياتها التاريخية ويعيش البلد تحت وطأة إجهاد مائي حاد.
تُظهر الأرقام الرسمية للتجارة الخارجية أن السوق الكندية أصبحت وجهة مفضلة للتوت الأزرق المنتج في المغرب، خاصة في مناطق مثل اللوكوس والغرب، وهي المناطق التي تشكل قلب الفلاحة التصديرية. هذا النمو الصاروخي يندرج ضمن أهداف مخطط “الجيل الأخضر” الرامي إلى تطوير سلاسل إنتاج ذات قيمة مضافة عالية، مما يوفر فرص عمل ويدر عملة صعبة تشتد الحاجة إليها.
التكلفة المائية الخفية
المشكلة الجوهرية تكمن في أن التوت الأزرق، مثله مثل الأفوكادو والبطيخ الأحمر، يُصنف ضمن الزراعات الشرهة للمياه. ووفقاً لخبراء في المجال البيئي، فإن كل كيلوغرام من التوت الأزرق يتطلب مئات اللترات من المياه لإنتاجه. وبهذا، فإن المغرب لا يصدر فاكهة فحسب، بل يصدر “ماءً افتراضياً” ثميناً إلى كندا، إحدى أغنى دول العالم بالموارد المائية العذبة.
يقول بعض الخبراء في الموارد المائية، في تصريحاتهم الإعلامية أننا أمام مفارقة خطيرة. نصدر مياهنا الجوفية التي تكونت عبر آلاف السنين على شكل فواكه فاخرة، بينما نواجه تحديات حقيقية في تأمين مياه الشرب لبعض المناطق. إنها سياسة فلاحية لا تراعي ندرة الموارد وتضع الأمن المائي للبلاد على المحك.
معضلة السياسات العمومية
تجد الحكومة نفسها اليوم في مواجهة معضلة حقيقية: فمن جهة، هناك ضغط لتلبية الالتزامات الاجتماعية عبر خلق فرص الشغل وتحقيق النمو الاقتصادي، وهو ما توفره هذه الزراعات. ومن جهة أخرى، هناك مسؤولية تاريخية لضمان الأمن المائي للأجيال القادمة، وهو ما تستنزفه هذه الزراعات.
يطالب العديد من الفاعلين المدنيين والخبراء بضرورة مراجعة النموذج الفلاحي المغربي، والتوجه نحو زراعات أكثر تأقلماً مع المناخ شبه الجاف للمملكة، مع وضع قيود صارمة على الزراعات المستنزفة للمياه، خاصة تلك الموجهة كلياً للتصدير. فهل يستمر المغرب في تصدير مياهه على حساب عطش أراضيه وأجياله القادمة؟ سؤال يبقى مفتوحاً في انتظار قرارات سيادية حاسمة.