جيل Z “زيد” بين وعي التغيير وتهمة التآمر

المنظار 24 – هيئة التحرير
في خضم التحركات الشبابية الأخيرة التي عرفتها عدة مدن مغربية، تتصاعد الأسئلة حول طبيعة هذه التعبيرات: هل هي مجرد صدى لتأثيرات افتراضية يقودها محرضون، أم أنها تعكس وعياً متنامياً لدى جيل جديد يطالب بإصلاحات عميقة في الصحة والتعليم وبمواجهة الفساد؟
على ضوء الحركات الاحتجاجية الأخيرة التي شهدتها عدة مدن مغربية كبرى، والتي قادها شباب يُطلق عليهم البعض “جيل Z”، ارتفعت أصوات تؤكد أن هؤلاء مجرد شباب أبرياء جرى التلاعب بهم من طرف محرضين ينشطون عبر خادم افتراضي يحمل اسم GEN Z 212، معتبرين أن هذه التحركات ليست سوى محاولة لزعزعة استقرار البلاد.
صحيح أن الحذر من المحرضين واجب، والمسؤولون واعون بذلك. غير أن ما يتضح على أرض الواقع هو أن الشباب يعبرون بعفوية وبحسن نية. نعم، هناك متسللون ومحرضون سواء عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو في الميدان، لكن الغالبية العظمى من هذه الفئة تدرك تماماً أنها لا يجب أن تنساق وراء التلاعب، وتعرف بوجود من يحاول استغلالها، كما أنها لا تسعى إلى زعزعة استقرار الوطن.
لقد وضع الملك محمد السادس، نصره الله، إصبعه على جوهر الإشكال: المغرب يسير بسرعتين. فهؤلاء الشباب، شأنهم شأن نظرائهم في مختلف أنحاء العالم، وحتى في أعرق الديمقراطيات، يتطلعون إلى التغيير. إصلاح قطاعي الصحة والتعليم، والتخفيف من آثار الفساد المستشري، مطالب مشروعة تستجيب لحاجة ملحة إلى تحقيق التوازن بين المسارين المختلفين اللذين يسير فيهما المغرب.
لهذا يجب على المسؤولين احتواء الوضع وامتصاص غضب الشباب من خلال تواصل فعّال، والاعتراف – على غرار ما أقرّ به الملك، نصره الله – بوجود اختلالات، ثم التحرك لمعالجتها. فالواقع أن قطاعي الصحة والتعليم يعانيان من نقائص صارخة، والفساد يضرّ بشدة بشرائح واسعة من المجتمع.
كما يمكن للسلطات الأمنية أن تعمل على تحديد هوية المحرضين المحتملين على العنف، تجنباً لأي تجاوزات، ولكن بطريقة لا يقرأ منها أنها ترهيب أو تخويف أو تجاوزات مقصودة. فبعض التصرفات غير المحسوبة قد تحوّل تلقائيا الاحتجاجات السلمية الخالصة إلى مواجهات تأجج الوضع.
لكن، للأسف، بعض المسؤولين يفكرون بمنطق قابل للنقاش، إذ يخشون أن يؤدي التجاوب الإيجابي مع هذه المطالب إلى المساس بما يسمونه “هيبة الدولة” ويفتح المجال أمام مطالب أكبر. غير أن هذا التفكير لا يواكب التحولات العميقة التي تعرفها المجتمعات في عصر الرقمنة، وهو نهج قد يؤدي، عبر سياسة شدّ الحبل، إلى تفاقم الوضع.
قد يرى البعض أن المسؤولين يسيطرون على الوضع بطريقتهم الخاصة، لكن من زاوية أخرى تكمن خطورة حقيقية. فالوضع قد يبدو مسيطراً عليه مؤقتاً، والشباب قد يتعرضون للترهيب، إلا أن ذلك قد يخلق حالة من الغليان الكامن، مرشحة للتصاعد على المدى القريب أو المتوسط، وهو ما قد يمنح المحرضين لاحقاً شرعية في نظر هؤلاء الشباب ويجعلهم يصغون إليهم.
الرهان على شدّ الحبل، وورقة “المحرضين”، و”الصمت الإعلامي” لم يعد حلاً في وقتنا الراهن. بل على العكس، فهذه الاستراتيجية، وإن أعطت نتائج آنية، فإنها قد تُفاقم الوضع وتحوّله في لحظة غير متوقعة إلى كرة ثلج يصعب إيقافها.
وهنا لا نتحدث عن حركات مطلبية قطاعية محدودة، كما حدث في ملف التعليم أو لدى طلبة كليات الطب، حيث جرى احتواء الأمر بتصويره على أنه طمع من الأساتذة أو سوء نية من الطلبة أو حتى نتيجة تلاعب سياسي. ما نشهده اليوم يختلف: إنّه وعي متنامٍ لدى شريحة واسعة من الشباب تنتمي إلى جيل جديد، بعقلية قد لا يفهمها تماماً بعض المسؤولين من جيل آخر.
هؤلاء المسؤولون مطالبون بالتصرف بتواضع وحكمة، دون خوف على صورتهم أو على “الأنا” لديهم. بل إن الاعتراف، كما قال الملك محمد السادس، نصره الله بوضوح، بأن المغرب يتقدم بسرعتين، هو في حد ذاته موقف نبيل وفعّال.
هذا الجيل من الشباب، بعيداً عن أي تأثير خارجي أو اصطفاف سياسي، تأثر بشكل عميق بالصور القادمة من القرى والمستشفيات التي تجسد حجم المعاناة. الرسالة واضحة: ما يجري ليس مجرد استغلال من خصوم البلاد أو من محرضين، بل هو انعكاس لحقيقة قائمة تستوجب المعالجة. فالصحة والتعليم يعيشان أزمة فعلية، والفساد آفة مدمرة.
ويبقى الأمل أن يطبق المسؤولون المثل المغربي القائل: “ الراس لي تقطّعو، ملس.عليه”

