الإعلام الإسباني والداخلية يفضحان اعتداء مورسيا المفبرك والتحريض ضد المهاجرين

اندلعت في الأيام الأخيرة أعمال عنف في بلدة “تورّي باتشيكو” قرب مورسيا الإسبانية، بعد انتشار صور ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، زُعم أنها توثّق اعتداء عنيفًا على رجل مسن من قبل شبان مغاربة. المشاهد المثيرة التي انتشرت كالنار في الهشيم سرعان ما تحولت إلى وقود لحملة تحريضية شنّها أنصار اليمين المتطرف، خصوصًا حزب فوكس، مما تسبب في توتر أمني وتصعيد ميداني بين المهاجرين الإسبان والمواطنين.

لكن تحقيقات الشرطة الإسبانية وتصريحات وزارة الداخلية سرعان ما قلبت الرواية رأسًا على عقب. فالصور التي ألهبت مشاعر الغضب الشعبي، تبيّن أنها مفبركة بالكامل ولا تمت بصلة للحادث الحقيقي الذي تعرّض له الضحية دومينغو تومس (68 عامًا)، والذي أكّد بنفسه أن الصور لا تعود له ولا توثق ما حدث. بل أظهرت التحقيقات الأولية أن الصور كانت مُعدّة مسبقًا، ومأخوذة من سياقات أخرى تم دمجها بشكل تضليلي على الشبكات.
مواجهات واعتقالات وتحذيرات رسمية
ردود الفعل على الأرض كانت عنيفة. أنصار حزب فوكس اليميني المتطرف خرجوا في مظاهرات حاشدة تطالب بترحيل المهاجرين، واندلعت مناوشات مباشرة مع شبان مغاربة في الحي، تطورت إلى صدامات عنيفة تدخلت على إثرها الشرطة الإسبانية باستخدام الرصاص المطاطي لتفريق الحشود. وأسفرت المواجهات عن عدة إصابات واعتقال ثمانية أشخاص، اثنان منهم يُشتبه في تورطهم في حادث الاعتداء الحقيقي، بينما وُجهت للباقين تهم تتعلق بالكراهية والتحريض والعنف الجماعي.

في مؤتمر صحفي رسمي، حذّر وزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا من التهاون مع خطابات التحريض الرقمي، مؤكدًا أن “بعض الجهات تحاول تفجير المجتمع الإسباني من الداخل عبر التلاعب بالمعلومات، واستغلال الأحداث الفردية لتأجيج الكراهية”. واعتبر أن هذه الحادثة تمثل نموذجًا خطيرًا لكيفية استخدام التكنولوجيا لنشر الفتنة والتمييز، داعيًا إلى اعتماد المعلومات من المصادر الرسمية والموثوقة فقط.
من جانبها، أصدرت منظمات حقوقية مثل SOS Racismo بيانات استنكار أكدت فيها أن ما حدث “حملة مدبرة تستهدف وصم الجالية المغربية”، وطالبت بفتح تحقيقات شفافة لمحاسبة من قام بفبركة الصور ونشرها، خصوصًا أن العنف الذي تسببت فيه لم يكن مجرد تفاعل افتراضي، بل نزل إلى الشارع وهدد سلامة السكان.
الإعلام الإسباني الرسمي يدحض الرواية الزائفة
سارعت هيئة RTVE الرسمية إلى تفنيد الادعاءات المصاحبة لقضية “اعتداء مورسيا المفبرك”، من خلال حملة تحقق عبر مبادرة Verifica RTVE.
في تقرير نُشر مساء 13 يوليو 2025 على Telediario Fin de Semana، أكدت الصحفية Blanca Bayo أن الفيديو المتداول لا يعود إلى Torre‑Pacheco، وإن كانت الاعتداء الأصلي قد وقع بحق رجل مسن يُدعى Domingo، فإن المرئيات المستخدمة “من مشهد آخر ومكان مختلف”
كما أشار تقرير Informe Semanal، في حلقة سابقة تتناول خطر الأخبار الزائفة على السلم الاجتماعي، إلى أن هذه الوسائل تُستخدم أحيانًا كأدوات للتحريض ضد المهاجرين.
هذا التدخل السريع من الإعلام الرسمي للمحطة الوطنية ساهم في حدّة تأثير التضليل، خاصة بعد البيانات الرسمية التي وردت عن الشرطة ووزارة الداخلية.
دعوات لوقف التحريض ومراقبة المحتوى الزائف
تحليلات رقمية أجرتها وسائل إعلام مستقلة، أظهرت أن الحسابات التي نشرت الصور الأولى مرتبطة بمنصات يمينية متطرفة، بعضها يستخدم أسماء مستعارة ومواقع تستضيفها خوادم خارج الاتحاد الأوروبي، مما يعقّد ملاحقتها. وتبيّن أن بعض الصور استُخدمت سابقًا في سياقات عنف حضري في أمريكا الجنوبية.
الحادثة فتحت الباب واسعًا أمام نقاش أعمق في إسبانيا حول مخاطر التضليل الإعلامي وأدوات الذكاء الاصطناعي في تركيب مشاهد كاذبة. كما طرحت تساؤلًا خطيرًا: هل نحن مقبلون على موجة من “الهجمات الوهمية” التي تُستخدم لإشعال نار الفتنة بين مكونات المجتمع، دون رصاص، بل فقط من خلال صورة مزيفة وفيديو تم تحريره بمهارة؟
في انتظار نتائج التحقيقات، تبقى الأصوات عالية تطالب بمسؤولية رقمية ورقابة حقيقية على المحتوى المنشور، خاصة حين تكون نتائجه على الأرض مدمّرة بهذا الشكل.

