ملامح من تاريخ البريد المغربي
هل يمكن الحديث عن تاريخ البريد للمغرب؟ وما هو تاريخ البريد بالمغرب؟ ولماذا بقي تاريخ البريد بعيدا عن الأضواء؟ ما هي محدداته و إيوالياته؟… مثل هذه الأسئلة وغيرها، جعلتني أبحث لملء فراغا مهولا بداخلي وبمعارفي، ومن خلال بحثي وقفت على ظهير عبد المومن بن علي الموحدي الصادر في سنة 543ه / 1148م، وعلى ظهير مولاي الحسن الأول الصادر بتاريخ 1892م، ووقفت على ذخيرة مهمة من أظرفة الرسائل المغربية التي كانت ترسل من المغرب أو إلى المغرب منذ سنة 1751م، أي قبل ظهور أول طابع بريدي في العالم بحوالي89 سنة، وهذه الذخيرة من الرسائل- طبعا نسخ التصوير الضوئي وليس الأصل- والتي تؤرخ لما قبل صدور الطابع البريدي لمالكها الفرنسي الجنسية فرانسي جوزيف، والذي فاز بها في المعرض العالمي للبريد بالميدالية الذهبية بفيينا عاصمة النمسا في شتنبر 2008م، وبهذا يكون المغرب قد حقق حضورا متفوقا ولو باسم الرسائل التي عف عنها الزمن المغربي، وأصبحت سفيرا لكل المغاربة وللبريد المغربي ولتاريخ المغرب، كما استطعت الوقوف على نسخة من الطابع البريدي الذي صدر في المغرب سنة 1914م وتبلغ قيمته المالية عند الجماع بحوالي 32 ألف أورو، وبالمناسبة وقفت على صور نادرة تؤرخ لفاس المدينة وتبرز المعالم العمرانية والزخرفية والحضارية وترصد الحركة الاجتماعية، التي كانت عليها منذ أزيد من قرن، لكن رغبتي في تنوير القارئ الذي فاتته فرصة البحث في تاريخ البريد المغربي، وتسليط بعض الضوء على القيمة التاريخية والفنية والتجارية والاقتصادية والاجتماعية، جعلتني أنجز هذا المقال، رغم ندرت المعطيات، آملا أن يكون مدخلا للعديد من البحوث والدراسات لإغناء الكتابات عن تاريخ البريد بالمغرب أو تاريخ المغرب عبر البريد.
رغم أن بعض الكتابات تربط تاريخ البريد بالمغرب، بالثورة الصناعية والامبريالية التي عرفها الغرب، من خلال توسيع نطاق معاملات تجاره مع الدول غير المصنعة، والتي تتوفر على مواد خام وأسواق مربحة، مما جعل العديد من الدول الأوربية التعامل تجاريا مع المغرب خلال القرن التاسع عشر الميلادي، وهذا التعامل فرض تقنيات التواصل المتاحة في تلك الفترة، قصد التبادل مع التجار، وكان البريد من أهم تلك الوسائل التي جعلت الدول المتهافتة على المغرب لفتح مكاتب بريدية، قبل مصادقة المغرب على اتفاقية الاتحاد العالمي للبريد، وقد بدأت هذه المكاتب تعمل أول الأمر بمدينة طنجة الدولية، ففي سنة1854م فتحت المكاتب الفرنسية وكالة بريدية ملحقة بإدارة البريد بوهران، أما بمدينة فاس العاصمة السياسية للمغرب فقد أحدث وكالة بريدية سنة 1891م بفاس المدينة بزقاق رياض جحا بحي الديوان وكان يشرف عليها يهودي بمساعدة رقاص مغربي يحسن التكلم باللغة الفرنسية*1، وذلك لضمان نقل مراسلاتها الرسمية بين فاس وباقي المدن المغربية والتي تقام بها أنشطتها التجارية والاقتصادية، ثم بعد ذلك فتحت وكالة بريدية بحي الملاح في 16 أبريل 1899م، ولكي تضمن فرنسا الاتصال المباشر مع حكومتها بالجزائر وتربط المغرب الشرقي بغربها سيما وأن فاس كانت تشكل نقطة تقاطع هذا المحور، فقد عملت سنة 1903م على خلق اتصال بريدي للرقاصة بين وجدة و فاس عبر تازة، علما أنه كانت علاقة بريدية تربط فاس و وجدة، لكنها طويلة وبطيئة بحيث كان المسار الذي تقطعه الرسالة الموجهة من وجدة إلى فاس، مرورا بالسيارة من وجدة إلى مدينة مغنية الجزائرية، ثم وهران، ثم الطريق البحري بين وهران و طنجة وأخيرا من طنجة إلى فاس، الأمر الذي كان يستغرق وقتا طويلا ويتسبب في تأخر المراسلات الرسمية، بالإضافة إلى الكثير من المصاريف، وقد اختص المكتب الفرنسي في القيام بعمليات البريد داخل المغرب وخارجه بالنسبة للمراسلات الرسمية للقنصلية، والرعايا الفرنسيين، والمراسلات التجارية لبعض الفاسيين الذين كانوا يتراسلون مع أوروبا، وقد كانت رحلات الرقاصة تنتظم في أيام معلومة وأوقات محددة، إذ كانت الرقاصة تنطلق أيام الجمعة والأحد والثلاثاء على الساعة الرابعة إلى طنجة، وفي نفس الأيام على الساعة التاسعة صباحا في اتجاه مكناس، غير أن توقيت الرحلة كان يتغير حسب أحوال الطقس والمرض وتعرض الرقاصة للنهب أو السرقة، وكانت تؤدى الحوالات البريدية بالفرنك والحسني وبالبسيطة، وتقبل الرزم البريدية التي لا يتعدى وزنها 300 غرام، والرسائل التي تنقل بين فاس ومختلف مدن المغرب لا تؤدي سوى 10 سنتيم*2، وكل هذه التحولات التي عرفها البريد الفرنسي بفاس وغيرها من المدن المغربية كانت من أجل كسب الزبناء من التجار الفاسيين وغيرهم، ومنافسة المكاتب البريدية الأجنبية المتواجدة بالمدينة، وكانت لهذه المنافسة أبعاد سياسية للبحث عن المزيد من الامتيازات داخل المغرب. وفي1865 م المكاتب الاسبانية نظرا لاهتمام اسبانيا بالمناطق الشمالية أكثر من المدن الداخلية، إذ كانت تشكل بالنسبة إليها محطة أطماعها الاستعمارية، وبها تتركز مصالحها الاقتصادية، فاسبانيا لم تحدث مكتبها البريدي بفاس إلا في سنة 1909م تحت إشراف موظف تابع لها، كما نظمت البريد بين فاس ومليلية مرورا عبر تازة، لكنها لم تستطع منافسة فرنسا نظرا لأن اسبانيا كانت لا تقبل غير العملة الإسبانية، ولانعدام الأمن.
وفي سنة 1872م المكاتب الانجليزية، بحيث سعت انجلترا على الحصول على الامتيازات التجارية والاقتصادية داخل المغرب، واستخدمت في سبيل ذلك جميع الضغوطات، وقد عملت على فتح إدارة للبريد بفاس سنة 1892م والتي شكلت في البداية ملحقة للمكتب الاستعماري لجبل طارق، كما ألحقت مصلحة خاصة في سنة 1897م بين فاس ومكناس بالبريد الإنجليزي من طنجة إلى فاس ابتداء من سنة 1898م وقد استمرت هذه المصلحة في عملها ثلاث سنوات بعد، وفي سنة 1907م فتحت مكاتب بريدية للتوزيع بفاس المدينة والملاح، وقد كان البريد الإنجليزي ممثل بدوره من طرف القنصل البريطاني أو أحد العاملين بالقنصلية، لكن المصالح البريدية الانجليزية لم تستطع منافسة بريد فرنسا.
وفي سنة 1899م المكاتب الألمانية، وقد أنشأ الألمان سنة 1899م وكالة بريدية بفاس الملاح مقتفين في ذلك أثر الفرنسيين في كل شيء، لكن بأسعار أدنى لبعض المراسلات، مع التساهل في وزن الطرود، وكان يشرف على هذا البريد مستخدم من دار ريشيتر، والذي يقع في حي الصاغة قرب الديوان*3، ويمكن وضع البريد الفرنسي والألماني في نفس المرتبة متساويين، إذ كانا يتقاسمان زبناء فاس، وهذا دليل آخر على المنافسة الشرسة بين مكاتب البريد الفرنسية والألمانية، والتي تطورت إلى صراع دبلوماسي والقائم على من سيسيطر على المغرب. وفيما بعد فتحت المكاتب البرتغالية، والتي كانت منحصرة في المدن الشمالية مثل العرائش والجديدة والصويرة لكنها لم تستطع الاستمرارية بفعل المنافسة القوية لبريد فرنسا.
غير أن المبادرة الفردية وهاجس الربح، كان من وراء ظهور بريد متميز، والذي سيعرف باسم البريد المحلي، أو بريد الشركات أو حتى البريد الخاص، وهذا البريد اهتم بنقل الرسائل بين مدينة معينة وأخرى منصوص عليها في طوابع بريدية خاصة بذلك، وأول بريد من هذا النوع عرفه المغرب، كان على يد السيد إسحاق بريدو نجل نائب القنصل الفرنسي بمدينة الجديدة، الذي عمل على تنظيم مصلحة بريدية خاصة تربط بين مراكش والجديدة، ولقد شجعت نجاح مصلحة بريدو على القيام بمبادرات أخرى بين مختلف المدن المغربية، وقد حضيت مدينة فاس بثلاث خطوط بريدية: الأول يربط طنجة بفاس وكان الرقاصة ينطلقون من طنجة أيام الاثنين والجمعة مساء ليصلوا إلى فاس أيام الخميس والإثنين بعد قطع مسافة 240 كلم في ظرف 60 ساعة، ومن أجل التخليص على المراسلات التي تنقلها المصلحة، فقد وضعت طوابع بريدية وأختاما خاصة لذلك. الثاني يربط فاس بصفرو، والظاهر أن هذه المصلحة البريدية لا تعدو أن تكون مجرد محاولة للمضاربة في الطوابع البريدية من طرف شاب معلم بمدرسة الإتحاد الإسرائيلي ويدعى بنسمحون في سنة 1893م*4، والذي أتم دراسته بفرنسا واطلع على تطور جمع الطوابع البريدية، وقام بنقش بعض ألاف الطوابع خصصها للبريد واعتمد في البداية على الرسائل التي توجه إليه شخصيا من فاس إلى صفرو أو العكس، وفي سنة 1894م أحدثت فرنسا مصلحة بريدية بين المدينتين ولم تتوقف إلا في سنة 1901م ، وكانت الرحلة تتم كل أسبوع وخصص لها خاتمين وأربعة إصدارات للطوابع البريدية والتي كانت تطبع بلندن وتحمل رسم صومعة المسجد الرئيسي بفاس*5. الثالث ويربط فاس بمكناس، وقد تأسس هذا الخط من طرف سيسود بنسيمون وهو مدير سابق لمدارس الرابطة الإسرائيلية بفاس في سنة 1897م، وكان الرقاصة المكلفين بنقل البريد ينطلقون من مكناس كل يوم إثنين وجمعة وينطلقون من فاس يومي الأربعاء والسبت من كل أسبوع*5. ويمكن القول أن تعدد المكاتب البريدية الأجنبية الرسمية والخاصة، خلق منافسة قوية فيما بينها من أجل اكتساب الزبناء والتجار الفاسيين، على الأقل أصبح التعدد والاختيار لإرسال رسالة أو طرد، وهذا ما يسر مصالح التجار الفاسيين، علما أن الاستياء من هذه المصالح كان موجودا بسبب وقوع هجمات على الرقاصة ونهب ما بحوزتهم من مراسلا، ومصدر هذا النهب لم يكن مستوحى من حب الاغتصاب أو السرقة ولكنه كان في الغالب مستوحى من كره الأجنبي، لأن المغاربة كانوا يدركون الأهداف السياسية العميقة التي كانت وراء تنظيم هذه المصالح الأوروبية، والتي لا تعدو أن تكون مجرد وسيلة من وسائل السيطرة على المغرب في الوقت المناسب، بعد أن تنشر مكاتبها البريدية في أهم المراكز لمراقبة الأوضاع والتحكم فيها. على اعتبار أن طنجة هي التي احتضنت كل المكاتب الأجنبية، نظرا لقربها من أوربا وتواجد العديد من الأجانب بها سواء للتجارة أو السياحة أو العمل.
غير أن المغرب عرف تنظيم البريد على عهد الموحدين، حيث أصدر عبد المومن بن علي، مرسوما بتاريخ 543 ه/ 1148م يبين فيه طريقة تنظيم هذا القطاع والمشرفين عليه، والدافع الأساس لإصدار المرسوم، ويمكن اعتبار التاريخ الموحدي هو الانطلاقة الحقيقية للبريد قبل أن تعرفه أوروبا، لم تكن بفاس مصلحة بريدية رسمية، قبل إحداث المكاتب الأوروبية، غير أن المبادرات الخاصة كانت قد غطت العجز المخزني، ويتحدث روجي لوطورنو *1، عن وجود مكتب بريدي أقيم في دكان صغير بين سقاية وفندق النجارين قبل سنة 1873م -لا يزال قائما إلى الآن مغلقا-، بحيث يورد رسالة الرحالة الإسباني التي تصف المكان بدقة: (..حيث أنني اكتشفت وجود بريد بفاس، ففي دكان بسيط تكتنفه من جهة سقاية ذات أنبوب كانت جميلة جدا، والبوابة الكبرى لفندق النجارين من جهة أخرى، مشاهد ثلاثة رجال يرتدون كساء أبيض، سمر الوجوه، جالسين على حصير رديء…وقد علقت في الجدران أكياس أو خرجات من الدوم، أو قراب، ويشاهد حول الدكان عدد من الرجال، ممتدين أو جالسين، بعضهم يحملون القراب على ظهورهم، وآخرون بدون قراب، فالدكان هو مكتب البريد، والرجال الذين فيه هم أمين الرقاصة وهو المتصرف، وخليفتاه…) ص 582 .وقد شكل الرقاصة بمدينة فاس طائفة من الطوائف الحرفية الأخرى التي تنماز بها المدينة، وكان على رأسها أمين يدعى أمين الشكارة، وكان الرقاصة عامة صحراويون طوالا نحفاء الأجسام لينين يمشون مسافات طويلة على الأقدام، مرتدين قميصا لا غير، مربوطا في الخصر بحزام من جلد وجلباب ممزقا متقلدين أو حاملين على ظهورهم كيسا من الجلد- قراب- يحتوي على البريد*6، ولا يحملون أي سلاح حتى لا يخطر ببالهم الدفاع عن أنفسهم في حالة هجوم، وقد حدثني أحد رجالات فاس المزداد بتاريخ 1911 سيد الحسن المنصوري، بأن الرقاصة كانوا يتخذون من فندق الأكباش مقرا لسكناهم، والكائن في المنحدر على اليمين للذاهب إلى قنطرة بين المدن بفاس، وربما كان هذا الفندق وقفا على الرقاصة.
وربما انتظم البريد عبر هذا التاريخ إلى سنة 1309 ه/1891م حيث سنجد أن السلطان المولى الحسن الأول يصدر أمره على أمناء مرسى مدينة الجديدة بضرورة إحداث البريد نيابة عن المخزن، وبين فيه لهم كيفية العمل والترتيب، ولما نجحت التجربة اقتضى نظره الشريف نشره في سائر مدن المغرب فأصدر أمره في جمادى الأولى من عام 1310ه / الموافق 22 نونبر 1892م على شكل رسائل ملكية تبين كيفية تنظيم البريد إلى السيد عثمان بن العبد الكريم بنجلون، وإلى أمناء 13 مدينة، وهذا الظهير يشبه في مضمونه الظهير الذي أرسى به عبد المومن بن علي تنظيم البريد، والذي يعتبر وثيقة رسمية تتطلب المزيد من الدراسة للوقوف على جوانبها. وحددت الرسالة الموجهة إلى الأمين عثمان بنجلون من طرف المولى الحسن الأول، الشروط التنظيمية التي ترسم عمل البريد المخزني، والتي بموجبها وضعت ثلاثة خطوط تربط مدينة فاس بكل من مكناس، والرباط وطنجة، وحدد جدولا زمنيا لانطلاق ووصول الرقاصة من وإلى فاس، وذلك لنقل البريد المخزني ومراسلات وطرود وأموال التجار والمواطنين والرعايا الأجانب، وكان يؤدي مستعملوا هذا البريد عن بعث رسالة عادية درهمان، وكان هناك اشتراك بالنسبة لكبار تجار فاس ويؤدون من 10 إلى 19 بسيطة حسنية*7. تقول الرسالة الشريفة المؤرخة بتاريخ 2 جمادى الأولى 1310ه/22 دجنبر 1892م والتي كلف بها أحد الأعيان الفاسيين وهو الحاج عثمان بنجلون التويمي .. بلغ إلى علمنا أن بعض الدول الأوربية رغبت في إحداث بريد لربط الصلة بين الجديدة ومراكش، فقررنا منع هذه البدعة بتدارك رغبة هؤلاء الأجانب وإنجاز ما عزموا عليه…. وستصلكم مع هذه الرسالة الطوابع والأكياس المعدة للرسائل، وقد أمرنا باشا مدينتكم أن يساعدكم في تنفيذ هذه التعليمات وإتباع أوامرنا. والسلام)*8. ولنفس الغاية قام المخزن بصنع خاتمين للتخليص على المراسلات -وتحمل هذه الأختام اسم فاس وعبارة المحوطة بالله أو المصونة بالله وظل العمل بهذه الأختام إلى غاية 12 ماي 1912م، حيث استبدلت بالطوابع البريدية- الأول مثمن الأضلاع وتختم به الرسائل الصادرة، والثاني مستدير تختم به الشكارة التي تحمل البريد. بهذا التنظيم حاول الحسن الأول إدخال بعض الإصلاحات الشاملة لجميع الميادين، ليضع حدا لتجاوزات الأجانب في خلق المكاتب البريدية وخاصة الخصوصية التي لم تكن تستند على أي أساس قانوني، لكن المحاولة باءت بالفشل وتم إفراغ الإصلاحات من محتواها بصفة عامة، بسب الظروف السياسية والاجتماعية للمغرب في تلك الفترة، إذ لم يكن البريد المخزني مزدهرا، والسبب راجع حسب تقرير لنائب القنصل البريطاني إلى سوء تنظيمها، وكونها لم تكن تأخذ الرسائل الموجه إلى الخارج، ولم تنضم إلى الاتحاد العالمي للبريد، ومن جهة أخرى لم تكن هناك طريقة لاستخلاص الواجبات نقدا بدون طوابع لتساعد مصالح الخزينة العامة. وفي سنة 1911م كلف السلطان المولى عبد الحفيظ الشركة المغربية للتلغراف التي أسست سنة1907م بإعادة تنظيم البريد، وقد تضمن هذا التنظيم النقط التالية:
تعويض البريد الراجل بالبريد بواسطة الخيالة/ إصدار طوابع بريدية/ جعل البريد يوميا وفي أوقات معلومة. وقد بدأ العمل بهذه المصلحة في فاتح مارس 1912م تحت اسم الإدارة الشريفة للبريد والتلغراف والتليفون. – وللنازل في طريق الشراطين بعيد المدرسة على اليمين سيلاحظ لوحة خشبية منقوش عليها البريد المخزني مصلحة البريد والتلغراف والتليفون-.
وقد صدر أول طابع بريدي مغربي بعملة الموزونة في 22 ماي 1912م .
وفي30 شتنبر 1923م كانت مؤسسات الإدارة الشريفة على الشكل التالي:
– مكاتب رئيسية تؤمن الخدمات البريدية والتلغراف بطنجة.
– مكاتب رئيسية تؤمن الخدمات التلغرافية بالدار البيضاء.
– مكاتب تؤمن الخدمات البريدية والتلغراف بعرباوة –المحمدية- فاس- القنيطرة- مراكش- مكناس- الصويرة- الرباط- آسفي- صفرو- سطات-سوق الأربعاء.
وخلال فترة الحماية قسمت المصالح البريدية إلى منطقتين:
-منطقة النفوذ الفرنسي وكانت تعمل تحت اسم مكتب البريد والتلغراف والتليفون.
– منطقة النفوذ الإسباني وكانت تعمل تحت اسم مصلحة البريد المغربي.
وبعد إعلان استقلال المغرب في 18 نونبر 1956م أعيد توحيد مصالح البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية في عهد محمد الخامس، وأصبحت تعمل تحت اسم وزارة البريد والتلغراف والتليفون باستثناء الامتيازات التي كانت ممنوحة للشركتين المساهمتين : طريس كبضو وتليفونيكا بشأن الخدمات الهاتفية في كل من منطقة الشمال ومنطقة طنجة، وقد تم استرجاع هذا الامتياز من طرف الدولة على التوالي في سنتي 1964م و 1969م*9.
وأول طابع بريدي في العالم صدر في سنة 1840م تحت اسم بلاك بيني من طرف انجلترا وقد صممه رولان هيل وكان غير مسنن، وقد بدأ العمل بالتسنين في فرنسا سنة 1856 على عهد نابوليون.
في الطابع البريد نظم أمير الشعراء أحمد شوقي بمناسبة ذكرى اليوبيل الفضي لإنشاء الإتحاد العالمي للبريد قصيدة متضمنة 22 بيتا شعريا ، يقول فيها:
أنا من خمسة وعشرين عاما لم أرح في رضاكم الأقداما
أركب البحر تارة وأجوب البر طورا وأقطع الأياما
ويوافي النفوس مني رسول لم يكن خائننا ولا نماما
أحمل العيش والنصيحة والبغضاء والحب والرضا والملاما
ويعي ما تسره من كلام ويؤدي كما رعاه الكلاما
ولقد اضحك العبوس يوما فيه أبكي المنعم البساما
وأهني على النوى وأعزي ولأقيد الحرمان والإنعاما
وجزائي عن خدمتي ووفائي ثمن لا يكلف الأقواما
رب عبد قد اشتراني بمال وغلام قد ساق مني غلاما
عرف القوم في جنيف محلي وجزوني عن خدمتي إكراما
جاملوني إذ تم لي ربع قرن مثلما جاملوا الملوك العظاما
ويوبيل الملوك يلبث يوما ويوبيلي يدم في الناس عاما.
وبمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس نادي مولاي ادرس لهواة جمع الطوابع البريدية والمسكوكات نظم الزجال المغربي والفنان المسرحي أحمد الطيب العلج قصيدة زجلية :
طابع البريد شحالما بلى يغلى
وديما يبقى جديد ويأرخ للوهلة
نتاج عبقرية فريدة بلا مثيل
نبيهة وذكية وشحال عايشت من جيل
ويبقى الطابع مطبوع بالفن والرونقة
كم، وكيف، ونوع من رسم الذواقة
وطابع البريد تحفة وعندها هواة
من الزمان البعيد عشاقك فكل الأوقات
صغير،وكبير، وكبير ف القيمة والمغزى
مرسول خبار الخير وصاحب ف الحزة
عام وقطع البحور حلق من غير جناح
وقتو دقيق ومعبور مليون ألف مفتاح
البعيدة ما تبعاد واصل ديما واصل
ما يخالف الميعاد ديما شغاله كامل
والعشاق ف بابه رصدوه بالمحبة
وتبحروا ف حسابه حقبة تابعة حقبة
سافر وصال وجال ما خلى حتى ركنة
رافض كلمة محال يفرحنا، يقرحنا
وبقى الطابع هالة نبوغ ف دنيا الناس
جوهر، ومسألة وفن راقي ولباس
ورقاص المغرب يقطع المسافات
البعيد يصير قريب ويوصل للغايات
وبلادنا ف هذه الباب سباقة رائدة
والحبيب إيلى غاب اخبارو واردة
واللي عزاز علينا خبارنا توصلهم
هما يكتبوا لنا وحنا نكتبوا ليهم
والتنبر على بال ما يخطى تا عنوان
ما خلى تمجال إحاطة بالألوان
مشهور بالتفوق ابداع هل لمهارة
جعلوه أناس الذوق ولاعة وتجارة
الهواة فكل مكان تاجر ولا جماع
تسابقوا مع الزمان ف تخليد الإبداع.
إن موضوع تاريخ المغرب عبر البريد يحتاج على رد الاعتبار إليه من خلال توجيه الطلبة والباحثين والمهتمين بمسلك التاريخ، بضرورة انجاز بحوث وأطروحات دولة للنبش في هذا التاريخ العميق والذي يحمل في ثناياه جزء مهما من تاريخنا غير المعبر عنه، إن لم نقل المنسي والمهرب إلى خارج المغرب، من خلال جماع الطوابع البريدية والأظرف والصور البريدية والمسكوكات، وفي غياب متحف وطني ومتاحف جهوية تعنى بذاكرة المغرب عبر البريد لكي يقف المواطن المغربي على عمق تاريخ المغرب الذي يمتد على أكثر من 1200سنة من التفاعل والتأثير والتأثر والتنوع الثقافي والاجتماعي والحضاري.
المراجع :
*1 روجي لوطورنو-فاس قبل الحماية/ ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر الصادر عن دار الغر ب الإسلامي بيروت، مطبعة دار الغرب الاسلامي سنة 1992م.
*2 ch.rené leclerc.op-cit.p:63
*3 روجي لوطورنو- فاس قبل الحماية ص 588
*4 نفس المرجع –ص 589
*5 jean Boetsch; op-cit;p: 15
*6 روجي لوطورنو- فاس قبل الحماية- ص :583
*7 نفس المرجع –ص : 585
*8 نفس المرجع –ص: 586
*9 كتيب دليل المتحف الوطني للبريد/ مطبعة البريد 1983م.
قصة ابتكار الطابع الاول
في عام 1839 أعلن مدير البريد البريطاني ” اللورد ليشفرد ” انه تلقى أسخف فكرة وأبعدها عن الواقع إذا إن أحد المواطنين البريطانيين واسمه “رونالد هيل” قد بعث برسالة يقترح عليه فيها استخدام طوابع بريدية يمكن لصقها على الرسائل .
كيف كانت ترسل الرسائل قبل الطوابع
كانت تختم بختم من الخارج وكانت الرسائل تطوى وتختم بختم من الشمع الأحمر وكان يقدر الثمن على حسب المسافة وعدد الأوراق والذي يدفع هو مستقبل الرسالة .
أسباب الغاء هذا النظام
عدم دفع المستقبل للرسالة الا بعد جهد كبير والتهرب من الدفع
كذلك مجلس اللوردات البريطاني لهم أختام خاصة مجانية كانوا يستخدمونها للرسائل الشخصية ورسائل أصدقائهم
قصة طريفة في إلغاء هذا النظام
أنه في احدى الدول الأوربية كان هناك أخ وأخت يتبادلان الرسائل بينهما حسب النظام القديم المستقبل هو الذي يدفع ففكرى في طريقة للتهرب من دفع الرسوم وعملوا حيلة ان يكتب كل منهما عبارة مختصرة خارج الرسالة بعد طيها تفي بما يوجد بالرسالة حتى إذا جاء ساعي البريد ويسلم الرسالة يقرأ المرسل إليه الرسالة دون أن يفتحها ويعتذر عن استلامها لعدم الحاجة .
تكرر هذا العمل أكثر من مره حتى شك ساعي البريد وأخذ يستمع إلى حديث الأخت مع والدها عن الرسالة فعرف كيفية وصول المعلومة إلى الأخت .
ثم قامت بريطانيا بطبع أول طابع بريد في عام 1840 من لونين الأسود البنس الواحد للرسائل الخفيفة والأزرق البنسين للرسائل الثقيلة
الترتيب
1- بريطانيا 6/5/1840
2- زيورخ (سويسرا ) 1/3/1843
3- جنيف ( سويسرا ) 1/10/1843
4- البرازيل 1/7/1845
5- أمريكا 1/7/1847
6- فرنسا 1/1/1849
7- بلجيكا 1/7/1849
8- ولاية بفاريا ( المانيا ) 1/11/1849
9- إسبانيا 1/1/1850
10- سويسرا 5/4/1850
11- استراليا 1/6/1850
12- ساكسوني ( المانيا ) 29/6/1850
13- روسيا 15/11/1850
الدول العربية
1- مصر 1866
2- تونس 1888
3- جيبوتي 1894
4- السودان 1897
5- الصومال 1903
6- المغرب 1903
7- موريتانيا 1906
8- ليبيا 1912
9- السعودية 1916
10- العراق 1918
11- فلسطين 1918
12- سوريا 1919
13- الأردن 1920
14- الكويت 1923
15- لبنان 1924
16- الجزائر 1924
17- اليمن 1926
18- البحرين 1933
19- عمان 1944
20- جزر القمر 1950
21- قطر 1957
22- الإمارات 1961