المعارض تكشفنا: حين ينتصر الخبز على الفكرة

انتهى موسم المعارض، فكان المشهد واضحًا وصادمًا: أكثر من مليون زائر لمعرض الفلاحة بمكناس، مقابل 403 ألفًا فقط للمعرض الدولي للكتاب بالرباط. الأرقام لا تكذب، ولا تجامل، بل تضع إصبعها على جرح عميق اسمه: “هجر الكتاب”.
الفارق الشاسع في الإقبال يسلط الضوء على واقع مؤسف: الكتاب لم يعد في صدارة اهتمامات الجمهور المغربي كما كان يؤمل، مقابل حضور قوي ومستمر للتظاهرات ذات الطابع الاقتصادي والمعيشي، مثل الفلاحة.
لسنا هنا بصدد انتقاد مؤسسة ما أو جهة تنظيم، فكل شيء كان متوفرًا في معرض الكتاب: دور نشر، أنشطة ثقافية، توقيعات، فضاءات للطفل، تخفيضات… لكن ما لم يكن حاضرًا هو ذاك الشغف الجماهيري، ذاك الاندفاع الفطري نحو الكلمة، نحو المعرفة، نحو الكتاب.
هنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح: لماذا يحتشد الناس بالآلاف بحثًا عن جرار أو شتلة او مشاهدة الماشية..، بينما ينفضّون عن معرض يقدّم لهم غذاء العقول؟
هل لأن الفلاحة ترتبط بحاجاتهم المعيشية المباشرة، فيما تبدو القراءة ترفًا لا يطعم ولا يسقي؟ أم لأن القيم المجتمعية انحرفت عن دعم الفعل الثقافي لصالح أولويات آنية؟
أليس من المفارقة أن نحجّ إلى معارض الفلاحة بحثًا عن البذور والجرارات، ونهجر معارض الفكر، حيث تُزرع العقول وتُحرث القناعات؟
الكتاب لا يُهمَل فقط من بعض المؤسسات، بل من عموم الناس أيضًا. فكيف نُطالب بتغيير العقليات، وتعزيز الوعي، بينما لا نعير الكلمة المكتوبة أي اهتمام؟
من السهل أن نعلّق كل فشل ثقافي على “الدولة”، “الوزارة”، “الميزانية”…، لكن ماذا عن المواطن الذي يختار ألا يقرأ، ألا يزور، ألا يشتري، ولو كتابًا واحدًا في العام؟
إن أزمة الكتاب ليست فقط في غلاء سعره أو محدودية توزيعه، بل في برود قلوبنا تجاهه.
فلا تلموا الزمن، ولا السياسات، قبل أن نسائل أنفسنا: ماذا فعلنا نحن للكتاب؟ ومتى كانت آخر مرة وقفنا فيها أمام رفّ، وقلبنا صفحة، وقلنا: “أريد أن أقرأ”؟